هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعترف أن بلادي تونس مؤهلة لاحتضان قمة عربية لأنها أكثر أمانا ولا
مشاكل لها مع أشقائها العرب كما كان حالها عام 1979 حين اختارها العرب لتكون مقرا
للجامعة العربية ومنظمة التحرير فقمنا بالواجب القومي أما اليوم رغم هذا الرصيد
فلتونس ما يكفيها من المشاكل الداخلية يجب أن تتصدى لها عوض المساهمة في التخبط
العربي الذي ليس له حل منظور!
ولو
كنت في موقع قرار تونسي لاقترحت على الأشقاء إلغاء القمة القادمة وتحويل مصاريفها
إلى صندوق تشغيل الشباب بإنشاء بنك تمويل المشاريع الصغرى لهم وبتوزيع أراض فلاحية
صالحة هي اليوم مصنفة (ملك الدولة) على شباب المزارعين على الأقل لننقذ حياة آلاف
منهم من البطالة أو الموت في عرض البحر أو من الهرب إلى بؤر القتال كمتطرفين وهو
القرار الوحيد الصائب لو كان من العرب رجل رشيد!
رجل
أعمال من بنغلادش أسس في التسعينات بنكا سماه بنك الفقراء وشرع يدرس ملفات مشاريع
صغيرة قابلة للحياة كمدجنة أو مصنع تحويل غذائي أو ورشة ميكانيك ويمنح لأصحابها
قروضا ميسرة مع إمهالهم ثلاثة أعوام وفي صورة نجاح المشروع يدخل البنك شريكا
بالتمويل وبهذه الفكرة البسيطة تم انتشال نصف مليون من الشباب خلال ثلث قرن.
ثم
إني إلى اليوم أتساءل مثلما تساءلت في البرلمان التونسي في الثمانينات عندما كنت
مقررا للجنته السياسية ما هو السر في أن تكون للدولة أملاك وأن تنشأ لها وزارة
أملاك الدولة فهل الدولة (مركانتي) أي إقطاعية باللغة الإيطالية التي أخذ منها
التوانسة تلك الكلمة ؟ فكل الأنظمة التقدمية في العالم قامت بتمليك الأرض لأهل
الأرض وقامت هي بدور المنظم وحامي المصالح العامة ومطبقة القانون أما أن تتحول
الدولة إلى مالكة ملايين الهكتارات المهملة في أغلبيتها والخاضعة لمنطق (رزق
البيليك) فهو يسمى لدينا في تونس (نمط التنمية!!!) ،بل وأصبح خطا أحمر لا نفكر في
إعادة النظر فيه تماما مثل مجلة الأحوال الشخصية التي دمرت الأسرة التونسية منذ
1956 ومثل مجلة القانون الجزائي الموضوع سنة 1913!!
والى
اليوم مع كل تشكيل حكومة جديدة يبحثون عن سياسي يحتاج إلى منصب يعينونه (وزيرا
لأملاك الدولة!) وأنا حين تشرفت بلقاء رئيس الحكومة الباجي قايد السبسي في مايو
2011 قبل رئاسته للجمهورية اقترحت عليه تغيير اسم الوزارة بوزارة توزيع أملاك
الدولة ! وكنت اقترحت نفس الأمر على الصديق محمد مزالي طيب الله ثراه وما تزال هذه
الوزارة الخطأ قائمة مع كل حكومة كأنها قدر محتوم!
التخبطات
التونسية لا تحصى ولا تعد لأن السياسيين لا يفكرون كثيرا ولا يستشيرون قليلا وكل
همهم مركز على الحفاظ على مناصبهم وتشويه خصومهم والتموقع للانتخابات القادمة فلا
وقت لديهم لإصلاح الموجود الفاسد ولا لتغيير المنكر البائد! الأمثلة في بلادنا بلا
حصر وأنا سميتها مرض تصلب القوانين في المجتمع وهو مثل تصلب الشرايين للبشر عافاكم
الله فخذ نموذجا ساطعا يعاني منه 3 ملايين تونسي يعيشون خارج تونس وهو نموذج قانون
جلب السيارات المتعارف عليه باسم (إف سي إر) سنة الزعيم بورقيبة في أواخر الستينات
فكان منذ نصف قرن صالحا واستجاب للظروف.
أما
اليوم فأصبح عائقا تخصص له الدولة ثلث أعوان الجمارك أصبح نوع عملهم كوميديا هزليا
لا يليق بتونس فالضابط يتفحص بعدسة مكبرة جواز سفرك وأنت عائد منهك من أوروبا أو
الخليج يبحث عن تواريخ خروجك ودخولك للتراب التونسي في آثار مطموسة للأختام
الحدودية حتى يحصل على عدد الأيام التي قضيتها في تونس مع حلول كل عام !!! لأن
القانون القديم ينص على مدة معينة تقضيها خارج الوطن لا تزيد ولا تنقص يوما واحدا.
وأنا
كم من مرة أشفق على الموظف المسكين وعلى جالب السيارة المحبط من هذه العمليات
العبثية بينما الحل البسيط هو إلغاء قانون (الإف سي أر) وتعويضه بإجراءات عصرية
سهلة تحرر ثلث موظفي الجمارك من هذا العذاب ليعتنوا بمهام أخطر على الدولة وتحرر
المواطن من هذا الصراط غير المستقيم كأن تفرض الدولة على كل مقيم بالخارج يجلب
سيارة أو مركبة عمل ضريبة تعزز ميزانية الدولة عوض استجابة القانون القديم لمصالح
بعض وكالات السيارات وإهمال مصالح ملايين التوانسة ! والأمثلة عديدة تعطل مصالح
المواطن وتنكد حياته بلا طائل.
أليس
الأجدر أن تشكل الحكومة لجانا للتفكير في القوانين منتهية الصلاحية وتجديدها
وملاءمتها لتطور المجتمع عوض أن تحتضن بلادنا قمة أتوقع (وأراهنكم) ألّا تنعقد
بالملوك والرؤساء، بل بمن يمثلهم من وزراء وموظفين؛ لأن الشقاق أصاب الأمة وشتت
شملها مما أتوقع أن يكون بيانها الصادر عنها يوم اختتامها قصيدة حماسية عصماء
لتمجيد تاريخ الأمة وتحويل ملفاتها إلى ....مجلس الأمن والتنديد بالاحتلال
الإسرائيلي.
عن صحيفة الشرق القطرية