هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رجاء لا أحد يلومه! للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكثر من سبب
وجيه في محاولة سفارة بلاده جاهدة لدى القائمين على برنامج «ستون دقيقة» الشهير
على قناة «سي بي أس» الأمريكية كي لا تبث المقابلة التي كانت سجلت معه في وقت
سابق. وإذا كانت القضية بالنسبة إليه هي على الأرجح مضمون ما قاله، وهو خطير
للغاية سواء لجهة مستوى العلاقة «غير المسبوق» مع إسرائيل أو سجل حقوق الإنسان
المتدهور للغاية في بلاده، فإن مسائل أخرى عديدة شابت هذه المقابلة التي تحولت من
فرصة إعلامية للرجل إلى انتكاسة حقيقية شكلا ومضمونا.
دعنا
من المضمون الذي لا يمثل مفاجأة إلا بالنسبة إلى أولئك الذين ما زالت لديهم أوهام
عن الرجل ولننظر إلى تلك «التفاصيل» التي لا يمكن أن تكون بالنسبة إلى رئيس دولة
سوى «سقطة إعلامية» مدوية.
ما
كشفه المذيع «سكوت بيلي» ومنتجة البرنامج «ريتشيل مورهاوس» هو أن الأمر بدا وكأن
«الريس» وجماعته لا فكرة لديهم أبدا عن هذا البرنامج الشهير ولا طبيعة المقابلات
التي يجريها والتي تتسم عادة بالتحدي والإحراج. قد يكون هذا صحيحا وقد يكون أن
الرجل طمع في أن يحظى بما حظي به ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبله
بأشهر عندما أجرى معه نفس البرنامج في مارس/آذار من العام الماضي مقابلة في الرياض
وصفت صحافيا بـ«الفضيحة» و«الجريمة» لما اتسمت به من مجاملات ومحاولة مكشوفة
لتلميع الرجل وتسويقه خلت طبعا من كل الأسئلة الحارقة. صحيح أن المقدم لم يكن هو
نفسه وإنما زميلته «أورا أودونيل» ولكن البرنامج هو البرنامج والقناة هي القناة.
المهم
أن السيسي لم يلق هذه المعاملة التفضيلية المدللة التي تمتع بها حليفه وزاد الطين
بلة أن فريق البرنامج كشف طلب جماعته الأسئلة مسبقا وهذا تصرف ينم عن سوء تقدير
وجهل فظيعين. من حقك أن تطلب محاور المقابلة لا أسئلتها لأن ذلك، فضلا عن اعتباره
إهانة للمذيع وطاقمه وممارسة غير معهودة في أي إعلام حر، يفقد المقابلة أي قيمة
صحافية حقيقية ويظهرها في سياق مفتعل ومرتب سلفا، كما حصل مع بن سلمان التي تلقت
المحطة بسبب مقابلته انتقادات لاذعة للغاية، ولهذا لم تشأ أن تكررها ربما.
أي
مسؤول سياسي، فما بالك برئيس دولة، يشعر أن المقابلة التي سيجريها يرجح ألا يكون
فيها متفوقا يفترض ألا يقبل أصلا بإجرائها. صمته أنفع مليون مرة من كلام ركيك غير
مقنع وهذا ما وقع فيه السيسي فالرجل الذي يصول ويجول في بلاده كما يحلو له ويقرّع
الصحافيين على الهواء ويهينهم، كما فعل مع إبراهيم عيسى، لمجرد استعماله مصطلح
العسكر، كما يهين المحافظين على الهواء، ويخوض نقاشات مفتوحة مع جمهور لا أحد من
بينه يتجرأ على طرح سؤال ذي قيمة، خيل إليه أنه قادر على أن يخوض بذات «الفهلوة»
مقابلة مع قناة أمريكية. ثقة في النفس مغشوشة كان يفترض في مستشاريه الإعلاميين،
إن كان له فعلا هذا النوع من المستشارين، أن ينبهوه إلى خطورتها المدمرة بعيدا عن
معزوفة «كله تمام يا ريس»!!.
لم
يكن الرجل مقنعا في ردوده ولا مستريحا في جلسته، ولا مرتاحا في قسمات وجهه وقد
تصبب عرقا وكل ذلك زاد من ولع المصور في أخذ ملامح وجهه عن قرب لكشف ضيقه وقلة
حيلته. وبعد أن «وقعت الفأس في الرأس» وأرادت السفارة المصرية عدم بث المقابلة
ازداد استمتاع فريق البرنامج بإظهار الرئيس المصري في زاوية المحشور الغلبان، بل
وصاروا يدلون بدورهم بمقابلات يتحدثون فيها عن هذه المقابلة!!.
ليس
سهلا أن تجلس وتواجه الإعلام الغربي والأمريكي على وجه التحديد، خاصة إذا كنت لا
تجيد اللغة، كما أن الأمر لا يقتصر على حتمية تمتعك بالحجج القوية الملائمة لأي
سؤال متوقع، وإنما أيضا أن يكون لديك حضور بديهة وقدرة على التلاعب باللغة
ومفرداتها كما يتلاعب اللاعب الفنان بالكرة.
كان
يفترض في الرئيس السيسي أن يدخل دورات تدريبية مكثفة في فن إجراء المقابلات
الصحافية والتلفزيونية بشكل خاص قبل خوض غمار مقابلات غير قادر عليها، وأن يشاهد
نماذج مبهرة من رؤساء أبدعوا فيها مثل الملكين الراحلين المغربي الحسن الثاني
والأردني الحسين والرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة وحتى الرئيس المصري الراحل
أنور السادات، أو أن يكون مثل الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي كان مقلا في
مقابلاته، أو أن يكتفي بـ«نموذج» من خلع قبله زين العابدين بن علي فهو لم يدل طوال
23 عاما من حكمه بمقابلة تلفزيونية واحدة لأنه مدرك تماما لحدوده ومحدوديته.
السيسي
لم يكن أيا منهم.. «ذنبه على جنبه».
عن صحيفة القدس العربي