هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم تكن العاصفة السياسية التي أتت على مستقبل تيريزا ماي رئيسة
الوزراء البريطانية، إلا إيذانا بمغادرتها المسرح السياسي إلى غير رجعة. نعم هناك
في الديمقراطيات أن من يغادر لن يعود ولا سبيل لتعديل الدساتير أو إبراز العضلات
واستخدام أدوات الدولة لتكريس الزعامة الأبدية. بعد أن نجت ماي من سحب حزبها الثقة
في قيادتها لحزب المحافظين الأسبوع الماضي، قالت بكل صراحة إنها لن تمضي في رئاسة
الحزب ومن ثمّ رئاسة الوزراء أكثر من عام قادم.
ماي
التي طالما شُبّهت بسابقتها الملقبة بالمرأة الحديدية مارغريت تاتشر التي شغلت
منصب رئيسة الوزراء ما بين 1979 - 1990، تتشابه الظروف والملابسات التي تحيط بها
مع تلك التي أحاطت بتاتشر، لكن تاتشر حكمت نحو 11 عاما بينما ماي لن تكمل بعد عام
حيث قررت التنحي، حتى 4 سنوات إذ تسلمت منصبها في يوليو 2016.
تاتشر
وفي حرب الخليج الثانية انقلب عليها حزبها، بعد انقسامات شهدها حزب المحافظين حول
التكامل أو التعاون مع أوروبا. واليوم يثور الجدل في بريطانيا وداخل حزب المحافظين
حول خطة ماي للخروج من الاتحاد الأوروبي. وكلتاهما فضلت الخروج «بشرف» أو أن
الحنكة السياسية ساعدتهما في النجاة من خروج دراماتيكي من الحياة السياسية إذا ما
كتب النجاح لتصويت حجب الثقة من حزبهما حزب المحافظين الذي واجهته كلتاهما.
في
يوليو الماضي وفي إطار المماحكات الحزبية أثار زعيم حزب العمال البريطاني عاصفة من
التهكم في مجلس العموم (البرلمان) أربكت ماي وانعقد لسانها ولم يساعدها في الرد
عليه عندما طرح عليها سؤالا استفزازيا حول ما إذا كانت قد استجدت ترامب ليتولى
عنها ملف الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ماي
وفور فشل «الانقلاب» عليها يممت شطر بروكسل لحضور قمة الاتحاد الأوروبي، ساعية في
معركة أكثر شراسة، للحصول على تعهدات ملزمة قانونياً من قادة الاتحاد الأوروبي
بشأن خطة لتجنب العودة إلى حدود أيرلندا الشمالية المأهولة. وقد تركز الانتقاد على
أن خطتها ستجعل المملكة المتحدة مرتبطة بقواعد الاتحاد الأوروبي إلى أجل غير مسمى وغير
قادرة على عقد صفقات تجارية.
وتعلم
ماي وهي تقود هذا التحرك اليائس أن الاتحاد الأوروبي لن يقوم بإعادة التفاوض على
الاتفاق الذي أبرمته ماي ووجد رفضا من بعض أعضاء حزبها فضلا عن معارضة غريمها حزب
العمال المتنمّر هذه الأيام. وقد تعود ماي ببعض الضمانات الأمر الذي ينسجم مع
قناعتها بانتهاء دورها السياسي.
وأدهشت
بريطانيا الموافقة السريعة على خروجها من قبل الاتحاد الأوروبي، والتي استغرقت نحو
40 دقيقة فقط، واعتبر البعض ذلك إهانة للمملكة المتحدة بعد مناقشات مقتضبة. ويقول
مدير الاتصالات والاستراتيجية السابق في حزب العمال إليستر كامبل: «بالطبع قادة
الاتحاد الأوروبي صادقوا على الاتفاق، هذه إهانة للمملكة المتحدة. هم يشعرون
بالحزن لرؤيتنا نغادر لكنهم يسخرون منا».
صحيفة
«الغارديان» البريطانية وصفت الوضع السياسي في المملكة المتحدة بعد الإعلان عن
إجراء تصويت سحب الثقة من تيريزا ماي. «وقد أحببت هذه الفوضى ومعي بدون شك كثيرون،
وتمنيت أن تغشى هذه الفوضى بلاد العُرب السابحة في بركة الديكتاتورية والسلطوية
حيث البيئة الملائمة للفساد وتوقف التنمية بل ازدهار التنمية العكسية وهي التراجع
والسقوط في الهاوية».
سواء
غادرت ماي المشهد السياسي أو بقيت لحين أو خلفها زميلها بوريس جونسون أو حتى ترجل
حزب المحافظين ليحل محله حزب العمال المعارض؛ فإن صورة الديمقراطية في بريطانيا
تظل زاهية وثرية تطمح شعوبنا إلى الوصول إليها رغم مسافة السنوات الضوئية التي
تفصلنا عنها. الطموح والتمني أمران مطلوبان بيد أن المعضلة تكمن في أن تأبط كليهما
أو أحدهما يعتبر جريمة تستحق التقطيع بالمنشار في وضح النهار فأي محنة تعيشها
شعوبنا المغلوبة على أمرها؟!.
عن صحيفة الشرق القطرية