هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد أيام قليلة من شروع البرلمان الإيرلندي في إجراءات التصديق على مقترح قانونيٍّ يقاطع منتَجات المستوطنات، ألقى المحللُ السياسي الأمريكي مارك لامونت هيل كلمة في الأمم المتحدة دعا فيها إلى “تحرير فلسطين من النهر إلى البحر”، وإلى مقاطعة الاحتلال وسحب الاستثمارات الدولية منه وفرض العقوبات عليه!
وكلّف هذا الموقفُ القويّ، مارك هيل خسارة منصبه في “سي أن أن”، وهو أمرٌ منتظر في بلدٍ عوّدنا على الانحياز المطلق إلى الاحتلال الصهيوني وتبني جميع أطروحاته العنصرية في فلسطين، كما شنّ اللوبيُّ اليهودي بأمريكا حملة ضارية عليه، اتهمه خلالها بـ”معاداة السامية” و”الدعوة إلى تدمير إسرائيل وقتل اليهود”، وغيرها من التهم الجاهزة التي عوّدنا اليهودُ على إطلاقها على كل من ينتقد جرائم الاحتلال في فلسطين، وينصر أهلها المضطهَدين المحاصَرين.
كان يمكن لمارك هيل أن يصمت عن قول الحقّ للحفاظ على منصبه ومكاسبه، لاسيما أنه غير عربي وغير مسلم، وليس ملزَما بمعارضة جرائم الاحتلال ولا تأييد الحق الفلسطيني، ولكنه لم يستطع مواصلة الصمت على استمرار الاحتلال في خطواته الرامية إلى ابتلاع فلسطين كلها، والاستئثار بالقدس، وإرغام أصحاب الأرض على القبول بالحكم الذاتي في الضفة ودويلة هزيلة في غزة وجزء من سيناء في إطار “صفقة القرن” المشؤومة، أو “السلام الإقليمي” المزعوم الذي يروّج له المطبِّعون بلا حياء، فقالها مارك مدوّية وهو يعرف أن الثمن سيكون منصبه وربما مستقبله: أرض فلسطين تمتدّ من النهر إلى البحر، وليس للاحتلال فيها أيّ حق ويجب أن تتحرر كلها!
في مستهلّ أفريل/نيسان الماضي، صدم وليُّ العهد السعودي محمد بن سلمان 1.7 مليار مسلم حينما قال لمجلةٍ أمريكية، “إن لليهود الحقّ في أن يعيشوا بسلام على أرض أجدادهم؟!”، ليُضفي بذلك شرعية مزيّفة على الاحتلال ويطعن الفلسطينيين في الظهر، مع أن الاعتراف بهذا “الحق” المزعوم سيشجّع الصهاينة على المطالبة أيضا بـ”حقهم” في خيبر ويثرب بالحجاز، وفي مناطق عربية عديدة استوطنوها في فترات معيَّنة من التاريخ، وكان ذلك بمنزلة ضوء أخضر للذباب الإلكتروني السعودي والخليجي الذي شنّ حملة قذرة حقيرة، لم يتوانَ فيها عن شيْطَنة المقاومة الفلسطينية التي “تنازعُ اليهودَ حقَّهم التاريخي بفلسطين”، حتى خُيّل إلينا أنّ من يتحدّث هم الصهاينة المحتلون وليس صهاينة العرب!
دعوة مارك هيل إلى “تحرير فلسطين من النهر إلى البحر” هي جرعة معنوية للفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال بالمظاهرات والبالونات الحارقة والدهس بالسيارات والتشبّث بالأرض. وهي أيضا صفعة قويّة إلى مهرْوِلي الخليج الذين لم يعودوا يخجلون من إخراج لقاءاتهم بالصهاينة من السرّ إلى العلن، واستقبال قادتهم الذين تلطخت أيديهم بدماء أطفال غزة، وكذا وزرائِهم ووفودِهم الرياضية في عواصمهم، والسماح لفاجرات الاحتلال بتدنيس مساجدهم.
في أمريكا، يضحّي الشرفاء بمناصبهم من أجل كلمة الحق ويعرّضون أنفسهم لحملات حاقدة قد تقضي على مستقبلهم، وفي الخليج يدخل المهرولون في “منافسة” مخزية شعارها: أيُّهم يكون أسبقَ إلى بيع فلسطين والتطبيع مع الاحتلال والإلقاء بالمودّة إلى اليهود حتى يُرضي أمريكا ويحافظ على عرشه وريوعه؟ ويساندهم في ذلك الذبابُ الإلكتروني بحملات عفنة متصَهْينة ضد الفلسطينيين، ويسكت علماءُ البلاط عن قول كلمة حق واحدة إيثارا للسلامة!
عن صحيفة الشروق الجزائرية