هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يبدو أن ملف مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي قد دخل فصلا جديدا بعد أن استخلصت وكالة الاستخبارات الأمريكية بأن وليّ العهد السعودي هو من أمر بمقتل خاشقجي، وذلك على عكس ما تقوله الرياض طيلة أيام الأزمة.
مديرة السي آي إيه جينا هاسبل، فجرت قنبلة بوجه الإدارة الأمريكية التي يتهمها الكثيرون بأنها تشتري الوقت للتستر على وليّ العهد السعودي، وبخاصة بعد أن استثمرت به كثيرا في السنوات الأخيرة، على أمل أن يكون رجل المنطقة المطيع الذي يمكن أن يكون مستعدا للتعاون مع الاجندات الأمريكية والإسرائيلية في قادم الأيام.
ما من شك أن الرئيس دونالد ترامب في وضع لا يحسد عليه، فمن جانب يُعلي من قيمة المساهمة السعودية في صفقات السلاح، ومن ثم انعاش الاقتصاد الأمريكي، لكن من جانب آخر يخشى أن يدفع ثمن غض الطرف عن سلوك محمد بن سلمان الذي تراه القوى السياسية الحية في الولايات المتحدة سببا رئيسيا في الأزمة برمتها. لغاية كتابة هذه السطور لا يمكن لأحد أن يتنبأ على وجه اليقين كيف سيتصرف الرئيس ترامب مع الاستخلاص الأخير الذي توصلت إليه السي آي إيه.
وفي السياق ذاته، تعاني القيادة السعودية الأمرّين، فكلما تأتي برواية لعلها تطوي صفحة خاشقجي مرة وللأبد، يهب المجتمع الدولي لتكذيب هذه الرواية، والمحصلة أن مصداقية السعودية على المحك، ويبدو أن المجتمع الدولي لا يقبل بأي رواية لا تشير إلى محمد بن سلمان شخصيا، على اعتبار أنه هو من يقف وراء مقتل خاشقجي، وعليه أن يتحمل مسؤولية ذلك. والمتابع لكبريات الصحف الدولية وتصريحات الشخصيات السياسية صاحبة التأثير في الغرب، يصل إلى نتيجة واضحة بأن الاعتقاد بمسؤولية محمد بن سلمان هي طاغية ولا يمكن تقويضها بسهولة.
والحق أن البعض يتحدث عن سيناريوهات ما يمكن أن تقوم به القيادة السعودية، بعد أن اماطت السي أي إيه اللثام عن هوية من أمر بالقتل، وهناك من يتحدث عن سيناريو إزاحة محمد بن سلمان من ولاية العهد، حتى يتسنى للسعودية أن تحافظ على ما تبقى لها من مصداقية، وحتى لا تدخل في أزمة دولية تفضي إلى عزلتها. فالرهان السعودي على مركزية المملكة في العلاقات الإقليمية للإفلات من العقوبة، قد لا يكون في مكانه هذه المرة.
وهناك أيضا من يتحدث عن سيناريو إبقاء محمد بن سلمان بصرف النظر عن الكلفة المترتبة على ذلك، فلا يعقل - وفقا لهذا الرأي - أن تمتثل السعودية لمطالب المجتمع الدولي لأن هناك مؤامرة ضد القيادة السعودية، وأصحاب هذا الرأي لا يجيبون عن كيف يمكن للسعودية في هذه الحالة أن تعالج مسألة تدهور علاقاتها الدولية!
وحتى نكون واضحين، ثمة ما يشير إلى أن الأمر حسم باتجاه هوية الجاني الحقيقي، فلا يعقل أن يأتي الرئيس ترامب برواية تعاكس استخلاص الدولة العميقة في الولايات المتحدة ممثلة بوكالة الاستخبارات المركزية؛ لأن من شأن ذلك أن يخلق توترا لا يريده ترامب، وربما لا يقوى عليه في قادم الأيام.
لكن لم يحسم بعد الموقف الأمريكي المترتب على هذه النتيجة الدامغة. فهل ستسعى واشنطن إلى الإطاحة بمحمد بن سلمان؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، عندها نسأل كيف يمكن أن يتم ذلك، فهل السعودية لقمة سائغة لأي كان حتى لو كانت الإدارة الأمريكية؟ هل ستطبق أمريكا قانون ماغنيتسكي على محمد بن سلمان نفسه؟ لا يمكن معرفة جدية موقف الإدارة الأمريكية على وجه التحديد إلا في قادم الأيام؛ لأنه موقف يعتمد على الكثير من المتغيرات.
عن صحيفة الشرق القطرية