أفكَار

القمع الفكري في العالم العربي.. مصر نموذجا

أساتذة الأدب يخافون من أن يتم اعتبار الكتب التي يوصون الطلب بمطالعتها مسيئة للنظام- جيتي
أساتذة الأدب يخافون من أن يتم اعتبار الكتب التي يوصون الطلب بمطالعتها مسيئة للنظام- جيتي

نشر موقع "لوبلوغ" الأمريكي مقال رأي للكاتب سام حمد سلط من خلاله الكاتب الضوء على وضع الأدباء والمفكرين في الوطن العربي الذين ينشطون في ظل الرقابة المشددة على أعمالهم.

 

وتعتبر مصر من بين أكثر الدول التي تتبع سياسة قمعية مع نخبتها المثقفة، حيث اعتقل نظام السيسي مؤخرا الباحث والخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق على خلفية إصداره لكتاب بعنوان "هل مصر بلد فقير حقا".

وقال الكاتب، في هذا المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن الزخم الإعلامي الذي اكتسبته قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، التي تحظى حاليا باهتمام عالمي، قد غطت على اعتقال الخبير الاقتصادي المصري عبد الخالق فاروق من قبل نظام السيسي بتهمة تأليف كتاب انتقد من خلاله الوضع الاقتصادي في مصر في عصر ما بعد عبد الناصر. وقد حظر كتاب فاروق داخل مصر وليس متاحا سوى لعدد قليل من المصريين.

وأورد الكاتب أن عبد الخالق فاروق تطرق في هذا الكتاب إلى الفكرة السائدة حول اعتبار مصر بلدا فقيرا بسبب الانفجار السكاني وندرة الموارد الطبيعية.

 

وفي هذا العمل، أقر فاروق بأن مصر بلد يزخر نسبيا بالموارد الطبيعية ولديه قدرات جبائية من شأنها أن توفر مستوى معيشة أفضل بكثير مما هي عليه الآن، بيد أن المشكلة تكمن في تفشي الفساد وسوء الإدارة.

اعتقال أمل فتحي كان في إطار حملة يشنها نظام السيسي على الحركة النسوية والمنظمات النسوية، التي تنشط في صلب المجتمع المدني وتساعد ضحايا الاعتداءات الجنسية، أو تنادي بإحداث إصلاحات اجتماعية وقضائية تحترم حقوق المرأة

وذكر الكاتب أن عبد الخالق فاروق اعتقل يوم الأحد في منزله أمام ناظري زوجته على يد مجموعة من عناصر الشرطة، الذين لن يكشفوا طبعا طبيعة التهم الموجهة له.

 

ومن المرجح أنه سيحاكم بموجب قانون السيسي لمكافحة "انتشار المعلومات المضللة"، الذي يستهدف كل من يحاول كشف حقيقة النظام.

ونوه الكاتب بأنه وقع قبل شهر تقريبا اعتقال الناشطة أمل فتحي والحكم عليها بسنة سجن بموجب هذا القانون، بتهمة نشر فيديو تحدثت فيه عن تعرضها للتحرش الجنسي في مصر.

 

وعلى الرغم من أن التحرش بات ظاهرة منتشرة في الشوارع المصرية، إلا أن نظام مبارك قد ساهم في استفحاله من خلال توظيف "البلطجية" للتحرش بالمتظاهرين والمعتقلين رجالا ونساء لردعهم.

وأوضح الكاتب أن اعتقال أمل فتحي كان في إطار حملة يشنها نظام السيسي على الحركة النسوية والمنظمات النسوية، التي تنشط في صلب المجتمع المدني وتساعد ضحايا الاعتداءات الجنسية، أو تنادي بإحداث إصلاحات اجتماعية وقضائية تحترم حقوق المرأة. وتعتبر هذه الحملة جزءا من حملة وحشية تستهدف كل من يحاول "تشويه صورة مصر".

وأكد الكاتب أن هذه هي طبيعة نظام السيسي الحقيقية الذي تضم قائمة ضحاياه الإسلاميين والمناصرين للحركة النسوية وحتى الخبراء الاقتصاديين.

 

ويهدف النظام من خلال هذه السياسة القمعية إلى تحقيق غاية واحدة ألا وهي التأثير على المجتمع وإعادة تشكيله بطريقة تجعل النقد نفسه مستحيلا.

 

السيسي يعمل على تضييق الخناق على المعارضين في المؤسسات الجامعية من خلال دس أتباعه فيها وجعلها محرمة على المعارضين، واعتقال الخبراء الاقتصاديين الذي يمثلون بذور المعارضة وحظر كتبهم

وبالعودة إلى تاريخ الاستعمار البريطاني، مثلت الجامعات المصرية مهد المعارضة ولكنها أصبحت في عهد السيسي "معسكرة".

ونوه الكاتب بأن السيسي يعمل على تضييق الخناق على المعارضين في المؤسسات الجامعية من خلال دس أتباعه فيها وجعلها محرمة على المعارضين، واعتقال الخبراء الاقتصاديين الذي يمثلون بذور المعارضة وحظر كتبهم، وترهيب الباحثين من البحث في أي مواضيع قد "تشوه صورة مصر"، لاجتثاث المعارضة ومنع توجيه أي انتقادات لنظامه.

وأشار الكاتب إلى أن عبد الخالق فاروق ذكر في كتابه أن هذه السياسة هي من عوامل الوضع المزري الذي يعاني منه الاقتصاد المصري، ذلك أن المؤسسات التعليمية تمثل امتدادا للدولة والبحث في أي موضوع خارج حدود الخنوع يصبح محل شكوك السلطات. وفي ظل هذه الظروف جعل النظام التعليم محكوما بالخوف.

ونقل الكاتب شهادة أحد الأساتذة المبرزين، الذي اشترط التكتم عن ذكر هويته، الذي أكد أن الطلبة والأساتذة باتوا يخشون من المواد التي يدرّسونها، حتى أن أساتذة الأدب يخافون من أن يتم اعتبار الكتب التي يوصون الطلب بمطالعتها مسيئة للنظام.

 

قال الكاتب إن خاشقجي في مقاله الأخير اقترح أن الحل الوحيد للتغلب على الأنظمة الاستبدادية العابرة للحدود هو منصات عابرة للحدود تجمع بين جميع المعارضين العرب

وحفاظا على وظائفهم وخوفا من السجن، ينصاع الأساتذة للأوامر ولا يخاطرون بانتقاد النظام، وينتهي بهم المطاف بنقل هذا الخوف إلى طلبتهم.

 

وبينما تساهم الأنظمة الديمقراطية في تثقيف شعبها، تجعل الأنظمة الدكتاتورية شعوبها أكثر جهلا وغباء.  

وبين الكاتب أن اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي يمثل حربا واسعة النطاق على الحقيقة. وعلى الرغم من أنه لا يمكن المقارنة بين التداعيات الجيوسياسية أو الدبلوماسية لمقتل خاشقجي واعتقال فاروق أو درجة فظاعتهما، إلا أن كلاهما ضحايا الأنظمة نفسها ومتهمان بنفس "الجرائم"، ألا وهي قول الحقيقة.

 

وفي مقاله الأخير، تحدث خاشقجي عن قمع "المعلومات" وحرية التعبير في الدكتاتوريات العربية وتداعيات ذلك.

وأشار الكاتب إلى أن السيسي وحليفه محمد بن سلمان إلى جانب بقية القادة المستبدين في المنطقة يتصورون عصرا مظلما لغالبية الشعوب العربية، حيث يحظى الأغنياء بسبل الرفاهية وتعاني الأغلبية الخاضعة من الفقر والجهل والتقهقر.

وفي الختام، قال الكاتب إن خاشقجي في مقاله الأخير اقترح أن الحل الوحيد للتغلب على الأنظمة الاستبدادية العابرة للحدود هو منصات عابرة للحدود تجمع بين جميع المعارضين العرب. وحسب خاشقجي، فإنه في ظل تضاؤل فرص التغيير، قد يكون هذا الحل أملنا الوحيد.



0
التعليقات (0)