مقالات مختارة

ماذا يُفهم من استهداف خاشقجي؟

ماجد الأنصاري
1300x600
1300x600

تضاربت الأنباء حول ما حدث للإعلامي السعودي ذي الشهرة العالمية جمال خاشقجي، فالمدير العام السابق لقناة العرب الإخبارية التي سارعتها المنية فور بثها ورئيس تحرير الوطن السعودية لمدة 52 ، كان شخصية جدلية بتوازنه، جمال لم يكن "حكومياً" مطلقاً ولا معارضاً صريحاً، كان صاحب رأي يطرحه بتحفظ وكياسة، استطاع جمال أن يحافظ على هذا الموقف المتوازن منذ بداياته الصحفية في ثمانينيات القرن الماضي حتى مطلع العهد الحالي،  لكن صانع القرار السعودي اليوم أصبح يضيق لا بالمعارض فحسب،  بل بالصامت وحتى بالمؤيد غير المتحمس، فإما أن تكون خلف النظام تهتف باسمه وإن جلد ظهرك وسرق مالك وانتهك فكرك وإلا فأنت عدو له وفي مرمى نيرانه.

كان لجمال نصيب من الحوارات الساخنة في بلاده في تسعينيات القرن الماضي بين الإسلاميين والليبراليين، لكنه وبشهادة من عاصروه كان نبيلاً في الاختلاف عادلاً فيه، وحينما اندفعت بلاده نحو دعم الثورات المضادة وكبح جماح الربيع العربي كان لجمال رأي مخالف ناصحاً قومه بأن يتعظوا من التاريخ،  وألا يصادموا رغبات الشعوب، وما أن كشر النظام الجديد عن أنيابه خرج جمال من بلاده إلى منفاه الاختياري ، متنقلاً بين الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي يتسع فيها المجال للرأي الحر دون أن يستغل ذلك في التشهير ببلده أو الانتقام من قيادتها، وأخيراً دفعه حسن ظنه على ما يبدو إلى خطوات ربما كانت الأخيرة إلى قنصلية بلده في إسطنبول لاستخراج أوراق تسمح له ببداية جديدة بعد أن حال النظام بينه وبين أهله، حتى وقت كتابة هذا المقال لم يحسم الأمر بعد، ولكن التأكيدات تتزايد بأن جمال راح ضحية الكلمة التي قالها ومضى كما نقش على صفحته في موقع التغريد يوماً.

استهداف خاشقجي بهذا الشكل أياً كانت نتائجه له دلالات مهمة حول سلوك الرياض في التعامل مع الواقع الجديد، بعد اختفاء جمال بيوم واحد خرج ولي العهد السعودي ليقول إن اعتقالات بلاده للمعارضين ما هي إلا محاربة للفساد والعمالة لإيران وقطر، ومضى في محاولة واضحة لاستباق ردود الأفعال لاختفاء خاشقجي القسري في محاولة لترسيخ صورته كمصلح في السعودية مغنياً على وتر الليبرالية التي يحبها الغرب، ولكن ما أن تكشفت الأنباء حتى خرج العديد من مناصري خاشقجي في الولايات المتحدة وغيرها من كبار الإعلاميين والسياسيين بحثاً عن زميلهم، ومازالت المطالبات مستمرة بالكشف عن مصيره، المشكلة هي أن الرياض لا تأبه كثيراً بذلك ، فصانع القرار هناك لا يهمه إلا رأي ساكن البيت الأبيض والذي سينتهي به الأمر بتعبير عن القلق أو مطالبة ناعمة بالشفافية، وبالتالي فالرياض ماضية في صناعة أمثلة من معارضيها، في الداخل أحكام الإعدام تتلاحق لشخصيات ليس لها أدوار معارضة مباشرة ، وفي الخارج استهداف لكل من تسول له نفسه توجيه نقد ولو كان  ناعما للنظام، والهدف كما هو دائماً للأنظمة القمعية هو تخويف البقية، ولدينا من التجارب ما يكفي لنتيقن من أن هذا الأسلوب يصنع المعارضين لا الموالين.

الأنظمة القمعية بشكل عام تقع في ذات الأخطاء، استهداف المعارضين، الفشل في تبرير هذا الاستهداف أو التنصل من المسؤولية ثم التعامل بعنجهية مصطنعة مع ردود الأفعال، مع الأسف لا تدفع الأنظمة دائماً ثمناً حقيقياً لمثل هذه الممارسات، استطاعت أنظمة مارست القمع ببشاعة واستهدفت معارضيها في الخارج بكل صفاقة من الإفلات من أي عقاب يذكر، لكن مما لا شك فيه هو أن هذه الأنظمة تفشل على الدوام في تبييض صورتها أمام الرأي العام الدولي وهذا ما سيحدث مع الرياض، فخاشقجي له حضور قوي في الإعلام الغربي وفي دوائر مراكز الأبحاث والفكر هناك وردة الفعل على تغييبه بهذا الشكل لن تكون هادئة في تلك الأوساط،  وكل محاولات الرياض تسويق بن سلمان على أنه المصلح الذي سيكبح جماح المتطرفين ستبوء بالفشل، وكان يسع الرياض ترك خاشقجي والناشطين الحقوقيين في حالهم والتركيز على أولئك الذين لا يهم أي أحد في الغرب مصيرهم، ولكن السلطة المطلقة المغلفة بقلة الخبرة والتهور أعمتهم حتى عن تحقيق مصالحهم المباشرة ليدفعوا بأصابعهم نحو أعينهم دون اكتراث.

عن صحيفة الشرق القطرية

2
التعليقات (2)
متفائل
الثلاثاء، 09-10-2018 02:43 م
السيد خاشقجي جمال ، أدركوا قيمته الجمالية وسلوكه الحضاري ، فهو أكثر من صحفي في ما يكتبه وينشره ويدلل عليه ويسعى إليه ، هذا ما أقلق دوائر الاستبداد وروافدها وهوامشها ، فإن وضعت منتوج الكثير من بيوت الإعلام وأثرها في الساحة وعلاقتها بعاملي الهدم والبناء في كفة ، وسلوك ونشاط السيد جمال خاشقجي داخل حدود أمريكا وخارجها في كفة لرجحت في نظر أعداء أمة الشهادة كفة جمال ، ولخاب الظن حينما يتعلق الأمر بالدهماء في حدود الشارع العربي والإسلامي ، لقد كان جمال خاشقجي مختلفا فعلا لذلك استهدفته دوائر الفساد ، لمثل ذلك جانب سيكولوجي يتصل بدائرة الصراع الفكري مع نهاية القرن العشرين . هذا الذي فهمته أخي ماجد ، شكرا .
مُواكب
الثلاثاء، 09-10-2018 03:41 ص
أُقارن حِدَّتْ رُدود الأفعال على اختفاء جمال الخازقجي مع اغتيال المرحوم رفيق الحريري. كلاهما سبَّبا صدمة عالمية وموجات عالية من الغضب. لكن على بُعد 13 سنة هؤلاء قتلة الحريري، آية الشيطان الرجيم علي خامنئي، وكبير زعران الضاحية الجنوبية سيِّء نصر الشيطان، ومختار القرداحة، في أوج قُوَّتُهم وحلفاء بالدرجة الأولى لِثاني أقوى دولة عسكرية عالمية، روسيا. وفي الدرجة الثانية حُلفاء مُحجبين للصهيونية والغرب الذي يُقَيِّمهم بكنز استراتيجي. أسوق هذه الوقائع لمن يعتقد أن ابن سالمان لن يفلت من العقاب.