هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تمت يوم السبت 15 سبتمبر/ أيلول الجاري الخطوة الأولى في العملية السياسية التي ستبنى على مخرجات الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إذ فاز محمد الحلبوسي، القيادي في كتلة «الحل» التي يتزعمها رجل الأعمال العراقي جمال الكربولي بمنصب رئيس البرلمان الجديد.
والحلبوسي كان مرشح كتلة المحور الوطني السنية
البرلمانية، التي يتزعهما رجل الأعمال خميس الخنجر لمنصب رئاسة البرلمان، وهو نائب
سابق عن محافظة الأنبار في الدورة البرلمانية السابقة، لكنه خرج من البرلمان عندما
شغل منصبا تنفيذيا هو محافظ الأنبار عام 2017.
وهو
مهندس شاب (مواليد 1981) حاصل على بكالوريوس وماجستير في الهندسة المدنية في
الجامعة المستنصرية في بغداد، وقد مثل صغر سن رئيس البرلمان الجديد نقطة فارقة في
تاريخ هذه المؤسسة، التي جرت العادة على أن يترأسها سياسيون كبار السن باعتبارهم
من ذوي الخبرة والدراية، التي تؤهلهم لإدارة البرلمان الذي تدور تحت قبته أعتى
الصراعات بين مختلف التوجهات السياسية.
ومثلت
السخرية واستهجان صغر سن الرئيس الجديد أول رد فعل للشارع العراقي على فوز
الحلبوسي بالمنصب، لكن من ناحية أخرى اعتبر فوز الحلبوسي نقطة لصالح محور البناء
الذي يقوده (العامري – المالكي)، بصفته مرشح المحور للمنصب، وقد تقدم على خالد
العبيدي مرشح محور الإصلاح (الصدر ـ العبادي) في التنافس على هذا المنصب.
واستكمالا لاختيار هيئة رئاسة البرلمان تم اختيار حسن كريم الكعبي مرشح محور
«الإصلاح» لمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان. والكعبي نائب من كتلة «سائرون»
المقربة من الصدر، وهو وجه سياسي شاب أيضا (مواليد 1971) حاصل على بكالوريوس في
القانون وماجستير في العلوم السياسية من جامعة بغداد، وقد عمل قائمقام قضاء مدينة
الصدر في بغداد.
كما فاز بشير الحداد وهو مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني بمنصب النائب
الثاني لرئيس البرلمان بعد تنافس شديد مع النائب الكردي أحمد حاجي رشيد، والنائب
الكردي مثنى أمين. وبشير الحداد من مواليد (1956) مدرس وسياسي كردي، عضو في الحزب
الديمقراطي الكردستاني، حاصل على بكالوريوس في اللغة العربية والماجستير
والدكتوراه في فلسفة الشريعة والفكر الإسلامي، عمل في التدريس وكان عضوا في برلمان
كردستان والبرلمان العراقي الاتحادي.
إذن
ما الذي يمكن أن نقرأه في الخطوة الأولى في العملية السياسية المتمثلة بانتخاب
هيئة رئاسة البرلمان؟ النقطة الأولى كانت الخرق الدستوري الفاضح المتمثل بإصرار
مجلس النواب على عقد الجلسة «المفتوحة المستمرة» لانتخاب رئيس برلمان ونائبيه، على
الرغم من مخالفتها الصريحة للمادة (55) من الدستور العراقي، التي تنص على «ينتخب
مجلس النواب في أول جلسة له رئيسا، ثم نائبا أول ونائبا ثانيا، بالأغلبية المطلقة
لعدد أعضاء المجلس، بالانتخاب السري المباشر»، لكن المجلس أصر على
انتهاك الدستور مع علمهم التام بعدم دستورية «الجلسة المفتوحة» وتحدى حكم المحكمة
الاتحادية العليا السابق في هذا الشأن.
أما
النقطة الثانية فهي صعود وجوه جديدة إلى رئاسة مؤسسة بأهمية البرلمان، الذي سيقود
العملية السياسية المقبلة، ويؤخذ على الوجوه الجديدة قلة الخبرة، وأن خبرتهم
السابقة تركزت في عملهم في مجال السلطة التنفيذية، كما أنهم من الصف الثاني من
القيادات السياسية، التي وصفت بالضعف وقلة الخبرة. بينما يرى البعض الأمر معكوسا
في هذا الجانب، ويعتبرون صغر السن وحداثة العمل السياسي نقطة إيجابية تحسب للهيئة
الجديدة من الشباب، الذين سيضيفون طاقات إيجابية للعملية السياسية.
وقد كتب مراقبون وصفوا الأمر بأن الصفقات السرية قدمت رئاسة
برلمان ضعيفة، فكانت خلاصة الموقف السياسي السني، أنه جاء نتيجة
لاتفاقات معقدة فرضتها الصفقات السياسية وحتى المالية، والنتيجة فوز محمد
الحلبوسي، الذي يعد مرشحا ضعيفا، ومن الصف الثاني من القيادات السنية، كما أن
هنالك تهم فساد تطال كتلته.
وقد شهدت الأيام السابقة لفوزه حملة إعلامية شنتها
قنوات عراقية اتهمت كتلة الحلبوسي بشراء المنصب بمبلغ 30 مليون دولار، من دون أن
تشير بشكل صريح إلى أسماء المتهمين بهذه الصفقة، وفي النهاية فإن رئاسة البرلمان
باتت من حصة سياسي سني محسوب على الفريق المقرب من إيران، وبذلك تكون الصفقات
السرية قد انتصرت على تمكين شخصية سنية قوية من الصف الأول الفوز بالمنصب.
وفي
إشارة قريبة من ذلك، أشار النائب خالد العبيدي في تغريدة على حسابه بموقع «تويتر»
قائلا، «لتفرح العائلة الفاسدة ببضاعتها التي اشترتها بـ30 مليون دولار (كما
يقال)، وليفرح الفاسدون الذين بدأوا يتبادلون التهاني. وللعراق والعراقيين أقول:
لكم الله فهو خير معين». وفي سياق متصل انتقدت النائبة ماجدة التميمي رئيسة قائمة
«سائرون» في البرلمان، انتخاب محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان وقالت في فيديو مسرب
من داخل البرلمان بثته قنوات عراقية وتم تداوله على صفحات التواصل الاجتماعي تقول
فيه؛ «أنها مهزلة.. مهزلة، إنهم يبيعون دماء العراقيين بالأموال». ???
أما
النقطة الثالثة اللافتة في انتخاب هيئة رئاسة البرلمان فهي أن هناك اتفاقات جانبية
تمت بين المحورين المتنافسين: محور البناء (العامري) ومحور الإصلاح (الصدر)، إذ
يبدو أن ثمة اتفاقات تمت في زيارة العامري الأخيرة للصدر في منزله في النجف/الحنانة
قبل أيام، والدليل على ذلك تغريدة قيس الخزعلي قائد «عصائب أهل الحق» التي تمثل
جناحا مهما في محور العامري على حسابه الرسمي في «تويتر» يوم السبت 15 سبتمبر،
عندما فاز الحلبوسي برئاسة البرلمان، التي قال فيها إن «نجاح تحالف البناء في فوز
مرشحه بمنصب رئيس مجلس النواب العراقي وبالجولة الأولى وسحب مرشحه لمنصب النائب الأول
وتصويته لصالح مرشح سائرون، هي رسالة بليغة معناها أننا نستطيع أن نتفاهم ونتنازل
بعضنا للبعض الآخر وتعني (أنا واخوي على الغريب) .وخلص إلى القول «بداية موفقة وإن
شاء الله القادم أفضل».
الخطوة
المقبلة من مخرجات العملية الانتخابية ستكون انتخاب هيئة رئاسة الجمهورية، وهي
خطوة يكتنفها الكثير من الصراعات أيضا، فالحزب الديمقراطي الكردستاني يصر على
اعتبار المنصب حصته بينما ينافسه على المنصب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وكذلك
مرشحي الأحزاب الكردية الصغيرة، أما اختيار نائبي رئيس الجمهورية من الشيعة والسنة
فالمتوقع أن تتم عبر صفقات، كما تم الأمر في انتخاب هيئة رئاسة البرلمان.
لتبقى
الخطوة الأكثر حساسية وهي اختيار هيئة رئاسة الوزراء، فبناء على التسريبات
والإشاعات التي شكلت طوفانا غزا الساحة السياسية، هذه الأيام، يمكن إيجاز الأمر
بأن هناك تكملة للاتفاقات السياسية التي انصبت على اتفاق محور (البناء) ومحور (الإصلاح)
على اختيار عادل عبد المهدي رئيسا توافقيا للوزراء. وقد قرأت تصريحات عبد المهدي الأخيرة
على إنها مؤشرات على ذلك، مثل المنشور الذي كتبه في صفحته الرسمية في فيسبوك يوم
15 سبتمبر قائلا؛ «سأتوقف مرحليا عن كتابة الافتتاحيات الصحافية اليومية (لجريدته
العدالة) بسبب النقاشات الدائرة لاختيار الرئاسات الثلاث، ومنها رئاسة الوزراء،
ولكثرة اللقاءات، وضيق الوقت، ومنعاً للتأويلات المربكة وغير الدقيقة – سأتوقف مرحليا – عن كتابة الافتتاحيات التي بدأتها في فبراير/شباط 2011، ولم أتوقف عنها يوما واحدا.. وسأحرص على إصدار توضيحات مختصرة، كلما اقتضت الضرورة. لا يسعني بهذه
العجالة إلا أن أهنئ السيد رئيس مجلس النواب والنائب الأول على حصولهما على ثقة
المجلس».
وما
تزال الإشاعات تطارد ترشيح عبد المهدي لرئاسة الحكومة، وقد كتب البعض مدعين أن
لديهم معلومات تفيد بأن رسائل متبادلة بين مقتدى الصدر وهادي العامري من جهة،
ومحمد رضا السيستاني، ابن المرجع السيستاني، من جهة أخرى، قد رتبت أمر ترشح عبد
المهدي، الذي اعتبر مسربو هذه المعلومات انه يمثل ورقة ترضي جميع الأطراف
المتنافسة، وهي المحور القريب من إيران ومنافسه المحور القريب من الولايات
المتحدة، كما أن المرجعية الشيعية في النجف لم تضع فيتو على ترشحه للمنصب الأخطر
في العراق… ولمعرفة مصداقية كل هذه التسريبات ليس أمامنا إلا انتظار الجولات
المقبلة.
عن صحيفة القدس العربي