بورتريه

آبي.. سياسي يتقن بناء التفاهمات والقرارات الصعبة (بورتريه)

برورتريه احمد آبي
برورتريه احمد آبي
وفقا لإعلاميين وحزبيين فهو متحدث ممتاز، يفضل اتخاذ القرارات القائمة على حُجج وبراهين.

رجل يحمل مقومات النجاح في بلاده فهو ذو خلفية عسكرية ومخابراتية، وجاء أيضا من بيئة دينية مختلطة، الأب مسلم من عرقية أورومو، والأم مسيحية من عرقية أمهرة، ومتزوج من مسيحية أمهرية.

أول رئيس حكومة مسلم في إثيوبيا، في سابقة تعد الأولى من نوعها في تاريخ البلد الأفريقي. ويقول مطلعون على الشأن الإفريقي إن الإثيوبيين  يحبونه لأنه  يتحدث بلغة يفهمها الناس.

اختار الائتلاف الحاكم "الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية"، آبي أحمد، رئيسا جديدا للوزراء في آذار/ مارس الماضي عقب استقالة هايلي مريم ديسالين بعد اندلاع أعمال عنف واحتجاجات مناهضة للحكومة بسبب نزاع بين مواطنين غالبيتهم من عرقية أورومو والحكومة حول ملكية بعض الأراضي، ولكن رقعة المظاهرات اتسعت لتشمل المطالبة بالحقوق السياسية وحقوق الإنسان، وأدت لمقتل المئات واعتقال الآلاف.

منذ أن نضج تفكيره لم  يغب آبي أحمد، المولود في مدينة جيما بإقليم الأورومو عام 1976، عن الساحة السياسية، رغم تجوله ما بين المؤسسة العسكرية وتطوير إمكاناته العلمية والأكاديمية.

يحمل درجة الماجستير من الولايات المتحدة وبريطانيا، كما أنه حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة أديس أبابا عن "حل النزاعات المحلية في البلاد" في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

التحق بـ"الجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو"، وشارك في الصراع المسلح في عام 1990 ضد حكم نظام منغستو هيلا مريام الماركسي المتشدد، وبعد سقوط النظام في عام 1991 التحق رسميا بالجيش الإثيوبي، ثم انضم إلى وحدة المخابرات والاتصالات العسكرية، وتدرج بها حتى وصل إلى رتبة عقيد.

وبين عامي 2008 و2010، أشرف آبي على توسيع عمليات البث الإذاعي والتلفزيوني في وقت تشتهر فيه إثيوبيا بانعدام الحريات الصحفية.

لكنه ما لبث أن غادر المخابرات في عام 2010، وبدأ بالعمل السياسي كعضو في "الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو"، وانتخب عضوا بالبرلمان الإثيوبي في عام  2010، وأُعيد انتخابه في عام  2015، وخلال فترة خدمته البرلمانية، شهدت منطقة جيما مواجهات دينية بين المسلمين والمسيحيين، وتحول بعضها إلى عنف، وأسفرت عن خسائر في الأرواح والممتلكات.

ولعب آبي دورا محوريا بالتعاون مع العديد من المؤسسات الدينية ورجال الدين، في إخماد الفتنة الناجمة عن تلك الأحداث وتحقيق مصالحة تاريخية في المنطقة.

ويتمتع إقليم "أوروميا" المنتمي له رئيس الوزراء الجديد بحكم شبه ذاتي، وغالبية عرقية "الأورومو" من المسلمين، وتمثل كبرى القوميات في إثيوبيا.

نجاحه في ملف "أحداث جيما" شجعه على دخول الحكومة عبر وزارة  العلوم والتكنولوجيا بالحكومة الفيدرالية بين عامي 2016 و 2017، وأصبح مسؤولا عن مكتب التنمية والتخطيط العمراني بإقليم أوروميا، ثم نائب رئيس إقليم أوروميا نهاية عام 2016.

وبعد نحو ثلاثة أشهر على تسلمه منصب رئيس الوزراء نجا في حزيران/ يونيو الماضي من محاولة اغتيال بعد إلقاء شخص قنبلة على تجمع لمؤيديه في أديس أبابا، أدى إلى سقوط قتلى وعشرات الجرحى.

ويقول خبراء في الشؤون الأفريقية إن آبي أحمد نجح في فترة قصيرة من توليه المسؤولية في إثيوبيا، في التوصل إلى تفاهمات في الداخل والخارج، ومن المؤكد أن هذا أزعج كثيرا من خصومه، ممن يرفضون نجاحه.

ويقول إيمانويل إغونزا، مراسل "بي بي سي" في أفريقيا من إثيوبيا، إن "آبي يعتبر سياسيا مذهلا له مؤهلات أكاديمية وعسكرية مثيرة للإعجاب".

لكن  منتقديه يشككون في ما إذا كان سيحصل على الوقت والقوة الكافية لإقامة إصلاحات يطالب بها ديمقراطيون، خاصة بعد أن مات مئات الأشخاص واعتقل كثيرون آخرون منذ بدء الاحتجاجات في البلاد قبل نحو ثلاث سنوات.

لكن المنجز الذي حققه آبي في فترة وجيزة على صعيد الجبهات الخارجية الملتهبة قد يكون عاملا لصالحه ومساعدا في تثيبت أركان حكومته، فقد قام بزيارة إلى مصر في ظل قلق مصري بالغ -وفق مراقبين- من تداعيات سد "النهضة" (قيد الإنشاء)، وأن تكون لسرعة ملء خزانه آثار سلبية، خشية أن يقلل من حصة مصر من نهر النيل (55.5 مليار متر مكعب سنويا) مصدر المياه الرئيسي في البلاد.

بينما تقول أديس أبابا إن السد سيحقق لها فوائد عديدة، في إنتاج الطاقة الكهربائية، ولن يضر بدولتي المصب، السودان ومصر.

وزار آبي العاصمة الأريترية أسمرة، في أول زيارة رسمية منذ قرابة عقدين في محاولة لرأب الصدع بين البلدين الجارين. وجاءت زيارة آبي في إطار الجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات وإجراء محادثات سلام بين البلدين، بعد قطيعة امتدت لأكثر من 17 عاما.

واستقلت أريتريا عن إثيوبيا في عام 1993 بعد حرب استمرت ثلاثة عقود، لكن صراعا حدوديا  اندلع مجددا بينهما في عام 1998، وانقطعت العلاقات الدبلوماسية منذ ذلك الحين.

وشهدت العاصمة الجزائر في عام 2000 توقيع اتفاقية سلام بين البلدين أنهت الحرب الحدودية، وأخيرا أعلنت إثيوبيا التزامها بتنفيذ كامل الاتفاقية وترسيم الحدود مع أريتريا.

وزار المملكة العربية السعودية والتقى الأمير محمد بن سلمان وكشف أنه تلقى وعدا بإطلاق سراح رجل الأعمال والملياردير السعودي من أصل إثيوبي، محمد حسين العمودي، المعتقل في المملكة.

وأحدث تصريحاته بخصوص ملف العامودي كان الشهر الماضي حين  قال آبي إن حكومته تمارس ضغوطا دبلوماسية من أجل إطلاق سراح العمودي، مؤكدا على التزام الحكومة السعودية بوعدها بإطلاق سراح الرجل.

 ويقبع العمودي في السجن منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حيث اعتقل ضمن حملة لمكافحة "الفساد" شملت أمراء ووزراء ومسؤولين سابقين وحاليين ورجال أعمال.

آبي سياسي ماهر قادر على الخروج من المأزق بسهولة، ومن مصائد الإعلام، كما حدث في أزمة التصريحات المنسوبة له ردا على ولي عهد أبو ظبي.

 آبي أحمد يتحدث بإعجاب شديد عن تاريخ الإسلام في بلاده، إذ يقول  إن أول من أرضعت النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي بركة الحبشية، وأول مؤذن في الإسلام بلال الحبشي. و كانت الحبشة أول بلاد آوت صحابة النبي عليه السلام حينما لقوا الأذى والعذاب من أهلهم في مكة بسبب دينهم، وقد رفضت الحبشة قبول الرشوة مقابل إعادتهم لقريش.

يقول آبي: "تاريخ الإسلام في إثيوبيا قديم وعريق، والمسلمون جزء أصيل من نسيجنا الاجتماعي".

وختم رئيس وزراء إثيوبيا حديثه بقوله: "أقول لكم ما قاله الخليفة أبو بكر للمسلمين: إذا أحسنت فأعينوني وإذا أخطأت فقوموني".

نجح آبي أحمد في لم شمل الإثيوبيين من حوله، فبالإضافة إلى كونه ينحدر من أب مسلم وأم مسيحية، فقد أطلق سراح آلاف السجناء السياسيين، وأوقف الرقابة التي كانت مفروضة على مئات المواقع، وأنهى حالة الحرب التي استمرت 20 عاما مع أريتريا، ورفع حالة الطوارئ، وخطط لفتح قطاعات اقتصادية رئيسية أمام مستثمرين من القطاع الخاص، بما في ذلك الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة.

وتقول "سي أن أن" إن "آبي لا يشبه أولئك الذين جاءوا قبله. فهو يعانق السياسيين في الأماكن العامة، ويأخذ صور سيلفي مع المعجبين، ولا يبتسم فقط أمام الكاميرات".
التعليقات (0)