كتاب عربي 21

العنصرية المتأصلة فينا (2)

طارق أوشن
1300x600
1300x600

كلود: لا حق لي في التدخل لكنني أعترف أنني أميل إلى أنطوان أو لوكاس.

 

ماري: صحيح.. ليس سهلا حمل اسم مثل محمود.


هكذا استنكر الجدان كلود وزوجته ماري، في فيلم (ماذا فعلنا بحق الرب؟ 2014) للمخرج الفرنسي فيليب دوشوفرون، محمود اسما لحفيدهما من زواج ابنتهما ايزابيل من رشيد، الفرنسي المولد والمنحدر من أصول جزائرية. لم يجانب الجدان الصواب، وإن حمل كلامهما بعدا عنصريا، بالنظر إلى ما يواجهه حملة الأسماء المحيلة على الأصول المهاجرة، عربية كانت أو افريقية بل وأوربية من دول " الفقر والخصاص" التاريخي، من معاناة.


الترقي في العمل أو النجاح في كثير من الوظائف يصبح في المتناول حين تكون للأسماء رنة أوروبية "سامية".

 

وحدها بعض المهن، التي لا تعترف بغير الموهبة طريقا للنجاح في الرياضة والفن والسياسة أحيانا، تحقق لصاحبها التميز مهما كان اسمه نشازا إن لم يكن للاسم النشاز نصيب من ذاك التميز والنجاح.


قبل أيام، اهتزت الساحة السياسية الفرنسية على وقع "فرقعة" إعلامية بطابع سياسي كان بطلها الكسندر بن علة، وهو الحارس المقرب من الرئيس ايمانويل ماكرون.

 

جريمة الكسندر المعلنة تدخله العنيف في مواجهة محتجين ضد سياسات ماكرون خلال احتفال العمال الفرنسيين بيومهم العالمي الأخير.

 

لا يخفى على أحد أن السبب الرئيسي في الضجة الإعلامية والسياسية هو السعي الحثيث لأطراف المجال السياسي الفرنسي التقليدي للنيل من رئيس استطاع القفز على الانتماءات الحزبية ودخول قصر الاليزيه.

 

لا يهمنا من الموضوع طابعه السياسي المنطلق من تدافع حزبي للنيل من الخصوم. لكن المهم في الموضوع تركيبة اسم المعني به: الكسندر بن علة.

 

التركيبة بغرابتها شغلت جانبا مهما من القضية حيث تداعى المهتمون للبحث في أسرارها وتقاذف انتماء صاحبها "العرقي" والديني. بن علة لن يكون إلا مغاربيا والكسندر اسم عجمي.

 

أصول الرجل المعلنة مغربية، والعقل الجمعي يحيل على أن صاحبها لن يكون إلا يهوديا مغاربيا. يهود فرنسا تنصلوا من هذا الانتماء فكيف يكون كل آل بن علة عربا إلا متهما بتعنيف متظاهرين.

 

المعلومات المتوفرة تقول أن الكسندر ليس إلا اسما استحدثه لحسن بن علة لتحقيق الترقي الوظيفي في مهنة للاسماء فيها إحالات على الانتماء الديني وما يتبعه من تصنيف أمني.

 

حارس للشخصيات السياسية باسم الكسندر أبعد ما يكون عن حارس باسم لحسن المحيل على عروبة وإسلام حامله بالتبعية وليس بالضرورة ممارسة واقتناعا.


لكن الواضح أن الأسماء كثيرا ما تخفي وراءها مفاجآت، والمشهد من نفس فيلم المخرج فيليب دوشوفرون.


تخبر لور، البنت الرابعة الصغرى، والديها كلود وماري بقرارها الزواج من شخص كاثوليكي اسمه شارل.

 

يسعد الزوجان المثقلان باختيارات بناتهما الثلاث الأخريات الزواج من يهودي وبوذي ومسلم، بقرار ابنتهما ويقرران لقاء شارل بحماس .


داخل المطعم، ينتظر الاثنان.


كلود: لقد تأخرا.. أكيد أنه ليس صينيا.. الحمد لله.


يفتح باب المطعم وتدخل لور وشارل. ترتسم علامات الدهشة على وجه الوالدين.


كلود: من يكون هذا؟ هل هو السائق؟


ماري: (بعد أن تلاحظ تشابك يدي لور وشارل) ليس السائق.. إنه شارل.


شارل: (وهو يتقدم نحوهما) هل أخبرت والديك أني أسود البشرة. ملامح الصدمة بادية عليهما.


لور: لم أفعل.. أهلا أبي وأمي. هذا هو شارل.


شارل: كان واجبا عليك إخباري أن والديك أبيضا البشرة.


لور: إنه يمزح.


بعد انتهاء اللقاء التعارفي، وداخل سيارتهما يواصل كلود وماري الحديث وهما محبطان.


كلود: بخلاف تسريحة شعره فهو إنسان مهذب.


ماري: نعم نعم. هو لطيف وشاب قوي.


كلود: صحيح.. يبدو رياضيا.


ماري: لور جميلة أيضا وسيلدان أطفالا ملونين رائعين.


تبدأ بالنحيب.


كلود: هذا الارتباط سيكون نهايتي. لن أحتمل الوضع.


ماري: ماذا فعلنا بحق الرب يا كلود؟


كلود: لا أعلم.. أنا تائه.


الديانة والأصول الاثنية أو الجغرافية لا ترتبط بالضرورة بالأسماء. والعنصرية أيضا سلوك إنساني ممتد في الزمان والمكان لا يعترف بالحدود أو الأديان، ولا يترفع عنها الواقع تحت وطأتها في مواجهة من يعتبرهم أدنى درجة منه وأقل شأنا.


وفي مواجهة هذا القادم الجديد على الأسرة والمهدد ل"تماسكها" ولحالة السكينة التي تبدو عليها العلاقات داخلها، بعد كثير صراع وسوء تفاهمات وأحكام مسبقة كادت تعصف بها، اجتماع للأخوات الثلاثة ايزابيل وسيغولين وأوديل وأزواجهن رشيد وشاو لينغ ودافيد.


رشيد: لنوقف حفلة النفاق للحظة. هذا الزنجي يهدد بوضوح توازن الأسرة.


شاو لينغ: وبالذات في وقت توصلنا فيه لتناغم أسري.


دافيد: يذكرني هذا بفيلم (إنقاذ الجندي ريان). ثلاثة إخوة قضوا في الحرب فأُرسِل الجيش لإنقاذ الرابع وإعادته للديار. هنا ثلاث فتيات فرنسيات أصيلات وأزواج من أبناء المهاجرين. يجب منع الأخت الرابعة من ارتكاب الفعل ذاته.


شاو لينغ: الحمد لله أنه أسود. لا أريد صينيا آخر بيننا.


رشيد: وأنا أيضا لا أريد عربيا وبالذات من أصول مغربية.


دافيد: أتفهم كلامكم. إن انضم لنا اشكينازي لقتلته.

الإحساس بالظلم أو القهر لم يكن يوما مانعا لاستنساخ ذات التجاوزات من أكثر الناس عرضة لها.

 

إدعاء الصفاء العرقي أو السمو الأخلاقي لا دين ولا جنسية له والفيصل الوحيد يكمن في علاقات الضعف والقوة على مستوى الأفراد والجماعات والأمم.

 

استدعاء المظلومية أمر مفهوم في حالات الضعف، والتنمر في أوضاع "القوة" طبع بشري. أما التعاضد في مواجهة الخصم، حقيقيا كان أو مفتعلا، فأكثر من مرغوب ولو تم في شكل فعل عنصري أو حاط من الكرامة أو إهانة مدفوعة بأحكام جاهزة أو صراع سياسي أو اختلاف ايديولوجي. لكن تراكمات التاريخ والجغرافيا عبر الأجيال أقوى من أن تتجاوزها "تعاقدات" مرحلية أو تفاهمات لحظية تندثر مع انتفاء الحاجة إليها.


على مائدة الطعام يبدي الوالد كلود عدم اقتناعه بعملية ختان حفيده من أوديل وزوجها اليهودي دافيد.
كلود: أنا أرى العملية فعلا بربريا.


دافيد: نحن أكثر حساسية من المسلمين في مسألة الختان، فنحن نقوم بهذه العملية قبل أن يتم الطفل أسبوعه الأول، لأن أجهزته الحسية لا تكون مكتملة، بعكس المسلمين الذين يتلذذون وهم يشاهدون أبناءهم يتألمون عند الختان في سن السادسة.


رشيد: هل تريد القول أن العرب بربريون يا دافيد؟


أوديل: أبدا، دافيد يشير فقط أن الأفضل القيام بذلك في سن مبكر.


ايزابيل: ما كان مضطرا لقول ذلك بتلك الطريقة.


يتواصل مسلسل الشد والجذب بين شخصيات فيلم (ماذا فعلنا بحق الرب؟- 2014)، كما الحال في الواقع اليومي في كثير من بقاع العالم، والسبب تاريخ استعماري ما زاده الحاضر إلا تكريسا وإن بأشكال جديدة، أو ممارسات اجتماعية أو طقوس دينية أو حروبا تجارية، أو إرهاب دولة لا يزال يمارس على أرض فلسطين، وإرهاب جماعات نقلت معركتها للغرب انتقاما من كل ما سبق ومن إحساس بعنصرية فردية وجماعية يبدو الانعتاق منها ضربا من الخيال.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل