هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ما يحدث في غزة وما يراد له عربيا وأمريكيا وإسرائيليا، لم يعد
الكثير يعبأ به، بعد أن غطت عنه أحداث كأس العالم وصراع "les titans"،
الذي ولّد التيتانوص في العلاقات الدولية وسمم العلاقات الأخوية.
ما
يحدث في غزة من رغبة في إخضاعها لقبول "صفعة القرن" تمهيدا "للكمة
الدهر" وانتهاء "لمواراتها القبر"، لم يعد يقوى على المقاومة إلا
الغزاويون الشرفاء أبطال الحجارة الذين أبدعوا في التصدي للعدوان منذ أمد بعيد
ومنذ تظاهرات العودة.
لقد
أبدع هؤلاء الفتية وهؤلاء الشباب في التصدي لأعتى قوة في المنطقة من خلال الطائرات
الورقية الحارقة التي صارت تحرق أكباد الصهاينة والمعمِّرين على أطراف غزة. عشرات
الحرائق وآلاف الدونمات من المزارع المسلوبة من الفلسطينيين تُحرق كل يوم من خلال
هذه الطائرات الورقية الحاملة للنار والوقود التي عليها عرب النفط.. قُعود.. وهم
على ما يفعلون بهؤلاء المؤمنين شهود..
طائراتٌ ورقية حارقة، قابلتها قوات الاحتلال بقصف مدفعي وبالطائرات
الحربية، حتى أن أحد أركان الكيان المغتصِب طالب بحرق أراضي ومزارع غزة.. كما يحرق
الغزاويون مزارعهم على أطراف غزة الغازية. أطفال وشباب وفتية، يقاومون بمفردهم وكل
يوم في ظل الصمت العربي.. بل والتواطؤ المخزي لأنظمة عربية لم يبق منها لا بيع
المتاع بالبتاع وسقط المتاع في البتاع..
أسلحة
الفلسطينيين، لا تنفد ولا تنتهي.. من الحجارة إلى الطائرات الأبابيل، إلى بالونات
واقيات الحمل الذكورية الحاملة للنطف.. التي صارت حاملة لنار النفط. لقد أعلنها
هؤلاء الفتية وهؤلاء الشباب: لن نستعمل واقيات الحمل الذكورية لقتل الأجنَّة في
البطون، سنلد وسنتكاثر ونستعمل الواقيات ليس للتقليل والحدِّ من الإنجاب، بل لحمل
الوقود وتحويلها إلى حاويات للنار.
نعم، البالونات النارية هي واقياتٌ جنسية، متعددة الجنسيات.. تُستعمل
في غزة للدفاع عن الشرف والعرض والرجولة التي وُئدت. فماذا كان سيحصل لو أن كل
العرب استعملوا واقيات الإنجاب وملأوها نفطا وبنزينا ووقودا.. وأرسلوها إلى غزة
للعب الأطفال هناك يوم العيد.. أليس هذا "سلاحا منويا" فتاكا؟ أليس أجدر
بأسود القصور وبرجولتهم وبذكوريتهم أن يأخذوا الدرس من هؤلاء الأشبال الذكور؟ إنهم
يؤسسون لمرحلة الكتل النارية التي لن تنطفئ.. فقلوبهم تغلي وصدورهم تلهب.. إنهم
يتمنون أن تتحول أجسادهم إلى بالونات متقدة، تعلو فوق الأرض المتحدة.
نمت
لأجد نفسي أخطب على المنبر مقلدا خطبة الإمام علي كرم الله وجه: يَا أَشْبَاهَ
الرِّجَالِ وَلاَ رِجَالَ! حُلُومُ الأَطْفالِ، وَعُقُولُ رَبّاتِ الحِجَالِ،
لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكمْ مَعْرِفَةً ـ وَاللهِ ـ
جَرَّتْ نَدَما، وَأَعقَبَتْ سَدَما قَاتَلَكُمُ اللهُ! لَقَدْ مَلأتُمْ قَلْبِي
قَيْحا، وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظا، وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ
أَنْفَاسا، وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالعِصْيَانِ وَالخذْلاَن. أُفٍّ
لَكُمْ! لَقَدْ سَئِمْتُ عِتَابَكُمْ.. أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ
الآخرة عِوَضاً، وَبِالذُّلِّ مِنَ الْعِزِّ خَلَفا؟ إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى
جِهَادِ عَدُوِّكُمْ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ، كَأَنَّكُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِي
غَمْرَة، وَمِنَ الذُّهُولِ في سَكْرَة، يُرْتَجُ عَلَيْكُمْ حَوَارِي
فَتَعْمَهُونَ، فَكَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ، فَأَنْتُمْ لاَ تَعْقِلُونَ.
أَخْلاَقُكُمْ دِقَاقٌ، وَعَهْدُكُمْ شِقَاقٌ، وَدِيْنُكُمْ نِفَاقٌ، وَمَاؤُكُمْ
زُعَاقٌ..
المُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ، وَالشَّاخِصُ
عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمة مِنْ رَبِّهِ.
كَأَنِّي
بِمَسْجِدكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَة، قَدْ بَعَثَ اللهُ عَلَيْها العَذَابَ مِنْ
فَوْقِها وَمِنْ تَحتِها، وَغَرِقَ مَنْ في ضِمْنِها.
ثم
جلست وقمت: قوموا.. ما بكم؟ وهن العظم واشتعل الرأس شيبا وأنتم شباب؟ وااه يالرجلة
واااه.. نوضوا عليّ.. بعدوا عليّ… راني باغي نطرطق..
ويخرج
الناس مهرولين.. خوفا.
وأفيق
وقد ضربني حمار الليل وخرجت للساحة أخطب في الفراغ الحار.. ليلا.
الشروق الجزائرية