مقالات مختارة

عالم الجواسيس والحرب السرية

صالح عوض
1300x600
1300x600

 عندما أعلن نتنياهو عن حصوله على أرشيف الملف النووي الإيراني أقامت الحكومة الصهيونية احتفالاتها بموجة من الدعاية الواسعة لإلحاق الأذى بمعنويات الخصم، كان ذلك قبل أن يتم الكشف عن أن الملف الذي بحوزة نتنياهو لا يعدو أن يكون من المعلومات المباحة التي جمعتها وكالة الطاقة النووية الدولية وتم تسريبها إلى الكيان الصهيوني.

لم يمض الوقت طويلا حتى تضرب صدمة مذهلة المؤسسة الأمنية الصهيونية بل المجتمع السياسي كله عندما يتم الإعلان في تل أبيب بعد تحفُّظ لمدة زادت عن الشهرين بأن وزير الطاقة الصهيوني السابق تم تجنيده من قبل إيران ضد المصالح الإسرائيلية، ومن خلال اعترافات الوزير الصهيوني تندلق المعلومات غزيرة عن كيفية قيامه بربط عشرات الشخصيات الأمنية والسياسية الصهيونية بالأمن الإيراني.

لم تكن هذه العملية هي الأولى؛ فلقد كانت فضيحة الاختراق الأمني الإيراني الكبير للمؤسسة السياسية الصهيونية بالغا عندما تم اختراق مكتب رئيس الوزراء الصهيوني يهود أولمرت بسكرتيرته الخاصة التي زوّدت حزب الله وإيران بمعلومات دقيقة استخلصتها من تصويرات الأقمار الصناعية العسكرية الصهيونية للبنان.

إنها حرب الجواسيس وهي جبهة حرب مفتوحة وخطيرة، وهنا لابد من فتح باب التحليل على وسعه لكي نكتشف ما وراء الحرب السافرة.. ونذهب مسرعين إلى القول إن النجاح في هذه الحرب يعني أن يتم الاحتياط الأمني الواسع ضد الاختراقات أو على الأقل أخذ الاحتياط لجعل أي اختراق لا يصل إلى حالة خلل استراتيجي كما حصل في حرب حزيران 1967 عندما تغلغلت أجهزة الاستخبارات الصهيونية في مفاصل القوات المسلحة المصرية فكانت الهزيمة النكراء، ويعني كذلك الوصول إلى تفاصيل وضع العدو بما يحقق إيجاد قوة الردع أو الضرب الآمن.

أمريكا تعمل من خلال أجهزتها المتعددة وبغطاء مالي كبير وبوسائل عديدة وتحت عناوين مختلفة للسيطرة على إيقاع حركة الكون كله، لاسيما في الدول التي تمثل خطرا محتملا أو غنيمة ضرورية.. وفي اللحظة التي تنجز فيها المخابرات مهماتها بالكشف عن المعلومات الأساسية تقوم القوة العسكرية بمهمتها تدميرا لقوات العدو.. كما هي كل المعارك التي فتحتها أمريكا ضدنا لاسيما عدوانها على العراق الذي لم يتم إلا بعد تحقيق الاختراق الأمني الكبير للمؤسسات العراقية.

حرب الجواسيس هي الحرب العملية الحقيقية الخفية التي تؤكد أن الانتصار فيها هو الذي يقود إلى الانتصار على الجبهة العسكرية المباشرة أو على الأقل هو الذي يوفر لها شرط الانتصار.. ومن هنا بالضبط يصبح الانتباه إلى أن هذه المعركة السرية الهادئة التي تجرى خلف الكواليس هي الأخطر.

وفي هذا السياق ينبغي التأكيد على أننا نمتلك القدرة على اختراق الجبهات الخلفية والأمامية للعدو، ولدينا إمكانات هائلة ولدينا القدرة على معرفة تفاصيله ومفاصله والضرب بعنف على بؤر الشرِّ فيه، ولعل طبيعة التداخل الديمغرافي ومعرفتنا بالأرض وضيق جبهة العدو وانحسارها في مربعات معينة وعدم التجانس العرقي والثقافي في جبهته تؤهِّلنا إلى تحقيق السيطرة الأمنية الكاملة على جبهاته الأمامية والخلفية.. إنها معركة لابد لها من انتباه وتركيز ولابد من نشر ثقافتها تحت عنوان “وخذوا حذركم”.

الشروق الجزائرية

0
التعليقات (0)