الأربعاء الماضي أسدل
الستار عن الجهة التي ستنظم مونديال 2026، وظهرت لائحة الدول التي صوتت لصالح
المغرب والتي صوتت ضد ملف ترشيحه.
من حيث الأرقام يبدو الفارق كبيرا بين 134 صوتا التي حظي بها
الملف الثلاثي ، وفقط 65 صوتا التي حازها الملف المغربي، وهو فارق مهم يمكن أن يجد
تفسيره في البون الشاسع بين البنية التحتية في الجهتين، فرغم التقدم الدال الذي
حققه المغرب في مجال تطوير بنيته التحتية وتجهيزاته الرياضية، إلا أن ذلك لا يمكن
أن ينافس بأي حال ما يحظى به الملف الثلاثي.
لكن ذلك لا يكفي وحده
لتفسير هذا الفارق الكبير، فهناك معايير أخرى تتحكم في توجيه الأصوات وترجيحها،
منها القرب الجغرافي، والكسب الاقتصادي، وأيضا الموقف السياسي. فبلجيكا وفرنسا وهولاندا صوتت لصالح المغربي،
مع إدراك هذه البلدان أن الإمكانات التي يحظى بها الثلاثي لا تقارن بما يحظى به
المغرب، في حين صوتت ألمانيا وعدد من الدول الأوربية لمعيار اللوجستيك، أما
إسبانيا، ففضلت التغيب عن التصويت، حتى لا تقع في الحرج مع المغرب وأمريكا في
الوقت ذاته. أما من حيث الاعتبار السياسي،
فيمكن أن نسجل تصويت بعض الدول المعادية لأمريكا لملف الثلاثي مثل الصين، كما أن
بعض البلدان مثل إيران وضعت بين حرجين بسبب موقها المبدئي من أمريكا وانقطاع
علاقتها الدبوماسية مع المغرب، فاختارت حجب تصويتها، وربما الموقف نفسه اتخذته
كوبا لاعتبار سياسي حين اضطرت للتغيب عن التصويت، وضمن الموقف السياسي نفسه، يمكن
أن نفسر المجموعة الإفريقية لصالح المغرب، وكذا عدد من الدول العربية التي انتصرت
لقيم التضامن العربي، رغم وجود خلافات لبعضها مع المغرب كما هو حالة الجزائر.
كل هذه الدوافع
مفهومة، ويمكن بشكل سريع أن يتم تحريك فعاليتها لتفسير خارطة الدول التي فسرت لهذه
الجهة أم تلك، إلا ما يرتبط بالموقف
العربي، وبشكل خاص، موقف سبع دول صوتت ضد ملف المغرب لتنظيم مونديال 2026.
في السابق، كتب رئيس
رئيس هيئة الرياضة السعودية تركي آل الشيخ عددا من التدوينات المستفزة ضد ترشح
المغرب لتنظيم المونديال، وحملت هذه التدوينات لغة عدائية مبالغ فيها، تدعو المغرب
إلى الاختيار بين الدولة والدويلة (في إشارة قدحية لقطر)، وتتوعده بالويل والثبور
في حالة ما إذا اختار الدويلة، وتكشف عن الموقف الذي ستتخذه المملكة في التصويت،
غير أن المغرب تعامل بقدر كبير من الهدوء والحكمة في امتصاص هذه التدوينات
العدائية التي تضر بالعلاقات الاستراتيجية بين المغرب والسعودية، وساهمت تصريحات مطمئنة لسفير السعودية بالرباط في التخفيف من حدة هذه التدوينات، ومن
أثرها العدائي المستفز، خاصة وأنه أعلن أن تديونات تركي آل الشيخ لا تعكس موقف
المملكة، بل صدرت وعود من طرف الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية في قمة
الظهران، بدعم الملف المغربي، مما ساهم بشكل كلي في نسيان تغريدات تركي آل الشيخ
العدائية.
لكن قبيل التصويت، وليس أثناءه أو بعده، ظهرت من
الجانب السعودي بموسكو حركات تجاوزت التعبير عن الموقف السعودي، إلى ممارسة قدر
غير قليل من التعبئة عربيا وأسيويا لفائدة الملف الأمريكي وضدا على الالتزامات
المقطوعة عربيا بدعم الملف المغربي، مما دفع سفير المغرب في موسكو إلى الخروج عن
قاعدة الهدوء في الموقف، واتهام أطراف عربية بالخيانة.
لجنة ترشيح الملف
المغربي، كانت هادئة نسبيا، لكن استعمالها
في بلاغ رسمي عبر الإعلان عن النتائج لعبارة" المغرب قام بحملة أخلاقية
ملتزمة" تضمنت مفردات اللغة غير
الهادئة التي استعملها سفير المغرب في موسكو للرد على الموقف السعودي، إذ تشير
لفظة "ملتزمة" إلى العهود
المبرمة، كما تشير كلمة "أخلاقية" إلى ما يمكن أن تكون اللجنة لاحظته من
خروج عن حدود الأخلاق بدفع رشاوى من أجل ثني بعض البلدان عن موقفها التي عبرت عنه
في السابق دعما للملف المغربي.
تحليل تصويت سبع دول
عربية ضد الملف المغربي مفهوم جدا، فالسعودية والإمارات العربية المتحدة أطرتا
بشكل كامل موقف بعض الدول الخليجية، ولا يبعد أن تكونا قد مارستا إلى جانب أمريكا
ضغوطا قوية ضد الكويت والبحرين، في حين يرجح أن تكون الأردن هي الأخرى وضعت بين
حرجين: حرج التصويت لصالح أمريكا أو إلغاء الوعود الخليجية بدعم الأردن في محنتها
الاقتصادية الخانقة التي تعيشها اليوم، أما العراق، فالمؤكد أن موقفها تأثر
بالسعودية أولا ثم إيران ثانيا.
المثير في لائحة الدول
التي صوتت ضد ترشيح المغرب لتنظيم مونديال 2026، هو الدول الإسلامية في القارة
الآسيوية، مثل باكستان وبنغلاديش
وأندونيسيا وماليزيا، إلى جانب الهند، والتي يرجح أن تكون السعودية قامت
بدور أساسي من أجل ثنيها عن التصويت لصالح
المغرب.
قد يعترض على هذا
التفسير، كون المغرب، حتى ولو حظي بأصوات سبعة دول عربية، وأيضا أصوات هذه الدول الآسيوية، فلن يتمكن من إحراز أكثر
من 77 صوتا، في مقابل 123 صوتا، لفائدة الثلاثي، لكن العبرة، ليست بهذا التقدير
الرقمي، ولكن بالحالة التي أحدثتها التعبئة العربية ضد الملف المغربي، والتي خلخت بشكل كامل بنية التصويت،
ودفعت عددا من الدول لتغيير موقفها، فالمعطيات التي كانت لجنة ترشح الملف المغربي
تتوفر عليها حول الوعود والالتزامات التي قطعت بتصويتها لصالح الملف المغربي، كانت
ترفع المنافسة لدرجة التشويق، وكانت تعد بحصول مفاجآت، لولا حراك آخر ساعة التي
ساهمت السعودية والإمارات في توجيه دفته.
اليوم، صار ملف
مونديال 2026 وراء الظهور، لكن، ما يبقى هو أثره على قضية التضامن في العالم
العربي، وأيضا على العلاقات العربية العربية، ثم صورة المملكة العربية السعودية في
خيال شعبها أولا، ثم في مزاج الرأي العام العربي، فما من شك أن المغرب- رغم
العلاقات الاستراتيجية التي تجمعه مع السعودية- لن يبتلع هذه الغصة، ولعل المكالمة
الهاتفية التي جرت بين الملك محمد السادس وبين أمير قطر، والإعلان المشترك عن دعم
ترشيح المغرب مرة أخرى لتنظيم مونديال 2030، تبين حرص المغرب على تجسيد استقلالية
قراره السياسي في إدارة علاقاته العربية الخليجية، واستمراره في تعميق صلاته
الدبلوماسية مع قطر ورفضه الرضوخ للضغوط السعودية الإماراتية، وما من شك أيضا أن صورة المملكة العربية
السعودية اهتزت كثيرا في مزاج الرأي العربي، إذ أصبحت لا تظهر فقط كمناصرة للمصالح الأمريكية، ولكنها فقدت تماما
عنصر الريادة والقيادة العربية، وصارت
جزءا من آليات التقسيم العربي، وما من شك أيضا أن موقفها زاد من عزلتها أمام شعبها
الذي يتابع بأسى ومرارة خذلانها للموقف المعربي، وخرقها للعهود التي التزمتها،
وتعبئتها دول العالم العربي والإسلامي ضدا على قيم التضامن العربي والإسلامي.