على الرغم من أن انسحاب الولايات المتحدة من صفقة النووي مع إيران يمكن أن تكون له عواقب كارثية على السياسة والأمن في العالم كله، إلا أنه لم يكن غير متوقع.
فنحن نعيش في عصر الخروج تلو الخروج، والذي من أبرز علاماته بريكسيت (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، والذي يقود فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كل اللاعبين بكافة ألوانهم.
فمن خلال رسم علامات استفهام حول عضوية الولايات المتحدة في مختلف الشراكات متعددة الأطراف والتي لعبت البلد فيها دورا رياديا – من حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى اتفاقية التجارة الحرة في شمال أمريكا (النافتا)، ومن اتفاقية باريس للمناخ إلى شراكة عبر الأطلسي – أطلق ترامب العنان لأجراس الإنذار التي تنذر بخطر محدق يتربص بالجزء الشمالي من الكرة الأرضية وبالنظام العالمي ذي المركزية الغربية الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية.
عصر الخروج
عمليات الخروج هذه، والتي يختزلها ترامب بكل بساطة في الوفاء بالوعود الشعبوية التي قطعها على نفسه أثناء حملة الانتخابات الرئاسية، من شأنها أن تؤدي إلى عواقب جيوسياسية واقتصادية في غاية الخطورة.
يكفي للوصول إلى هذه النتيجة إلقاء نظرة، ولو عابرة، على المواضيع الرئيسية للنقاش على الأجندة الفكرية والسياسية العالمية. فبعد التجربة المرة مع الركود السياسي العالمي في الألفية الجديدة – وخاصة بعد الأزمة المالية لسنة 2008 – يتجه عالمنا بشكل تدريجي نحو العدمية السياسية، حتى بتنا نرى في كبريات الصحف والدوريات المتخصصة في قضايا السياسة والاقتصاد عناوين رئيسية مثل "هل الديمقراطية تحتضر؟"، ومثل "نهاية النظام الليبرالي"، ومثل "انهيار تعددية الأطراف".
ولكن على الرغم من الاتفاق على وجود "عصر الخروج" ما ينقص هو وجود مقاربة محكمة لفهم إلى أين سيقودنا ذلك.
سوف يكون لقرار إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي تداعيات كبيرة في الشرق الأوسط وحول العالم لسنوات عديدة قادمة. لقد حاول ترامب ما وسعه ذلك تقديم أسباب مقنعة لهذا الانسحاب باستثناء رغبته في تفكيك إرث سلفه الرئيس باراك أوباما. ولكن، أما وقد أكدنا ذلك، لابد من الاعتراف بأن الاتفاقية مع إيران لم تكن لتفلح منذ البداية، إذ أن أوباما، وليس ترامب، هو أول من قام فعلياً بخرق الاتفاق النووي.
الاتفاقية السابقة التي وقعها خرقها
في مايو / أيام من عم 2010، أقنعت تركيا والبرازيل إيران بالتعاون بشأن الطاقة النووية مع المجتمع الدولي وذلك من خلال اتفاقية طهران. ولكن حتى بعد أن شجعت إدارة أوباما الدولتين على القيام بذلك الدور، رفض الرئيس أوباما الاعتراف بالصفقة التي تمخضت عن تلك الجهود، ودفع بدلاً من ذلك باتجاه فرض عقوبات على إيران من خلال مجلس الأمن الدولي.
طلبت الولايات المتحدة من تركيا والبرازيل عدم التصويت بلا في مجلس الأمن، إلا أن الدولتين اعتبرتا أن التصويت بلا للعقوبات على إيران هو التصرف المنطقي بعد الحلول الدبلوماسية التي مكنتهما من التوصل مع إيران إلى اتفاقية طهران في المقام الأول.
على الرغم من أن دوافع ترامب ودوافع أوباما تبدو في الظاهر متباينة، إلا أن القراءة المتأنية تثبت أنهما يقفان على أرضية مشتركة تتمثل في غياب فاضح لأي فهم للقضايا الجيوسياسية. لا أوباما ولا ترامب كانت لديهما أي تصورات جيوسياسية حينما خرقا هذه الاتفاقيات.
حينما أفسد أوباما الاتفاق النووي في عام 2010، كانت لقراره تداعيات على العراق أولاً ثم على ثورات الربيع العربي. كما أنه كان من نتائج ذلك القضاء على فرصة أن تلعب إيران دوراً إيجابياً في المنطقة حينما كانت المنطقة تتجه نحو الديمقراطية، وذلك أن إيران تعرضت للإقصاء خارج المنظومة الدولية.
في نفس تلك الفترة، تحول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والحرب الأهلية في سوريا إلى مشكلة كونية. ليس صعباً التنبؤ بأن تكلفة انسحاب الولايات المتحدة من صفقة النووي هذه المرة لن تكون مقتصرة على "أزمة إيران"، بل يمكن أن تتصاعد لتصبح أزمة إقليمية شاملة.
دور إسرائيل
لم يقترح أوباما رؤية جيوسياسية للمنطقة عندما أطاح في عام 2010 بالصفقة، ولا حتى عندما أبرم الاتفاق النووي في عام 2015 ضمن مجموعة الخمسة زائد واحد. ما فعله بكل بساطة هو أنه اختزل القضية بأسرها إلى الطاقة النووية وإمكانية التسلح.
بصيغة أخرى، كان أوباما يرى إيران فقط من خلال عدسة برنامجها النووي، ونجم عن هذه المعادلة الاختزالية انعدام الرؤية لديه فلم ينتبه للتحولات الإقليمية الأكبر التي كانت تجري عندما تم التوقيع على صفقة النووي.
وبسبب انعدام الرؤية الجيوسياسية لديه تحول أوباما إلى أسير للصفقة، ولا يمكن فصل تردده وعدم حسمه في سوريا عن شغفه في أن تصبح صفقة النووي أهم عنصر من عناصر إرثه.
ثم ما لبث هذا الإرث أن تراجع عنه ترامب بما ابتلي به من قصر نظر، وهو الذي فتح من خلال تراجعه ذلك صندوق العجائب الجيوسياسية. وبذلك تكون إدارة ترامب، بمساعدة إسرائيل، قد استثمرت الآن في خلق أزمة جديدة في أوروبا وروسيا والشرق الأوسط.
لقد انسحب ترامب من صفقة النووي بعد أيام فقط من إثارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للمزاعم حول طموحات إيران النووية، وهي شبيهة بالمزاعم التي أثارها في عام 2002 حينما قال إنه لم يكن ثمة شك في أن صدام حسين في العراق كان يعمل على تطوير أسلحة نووية.
ما بعد صفقة النووي
إن ربط الإدارة الأمريكية نظرتها إلى الشرق الأوسط برؤية نتنياهو إلى العالم أمر لا يطاق.
وإن تكلفة حرمان إيران من التواجد في المنتديات الدولية لن تتكبده الولايات المتحدة وحدها بل سيتكبده العالم بأسره. لا يكفي أن يرد الشركاء الباقون في صفقة النووي بتوجيه الاعتراضات لترامب والإبقاء على الصفقة من جهتهم. فكما أن رؤيتنا لطريقة التعامل مع المتغيرات المناخية الكونية لم تتغير بعد إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من اتفاقية باريس، لا ينبغي قطع العلاقات مع إيران بسبب قرار ترامب الأخير.
ولكن حتى نحقق ذلك فإننا بحاجة ماسة إلى رؤية جيوسياسية تمتد إلى ما بعد صفقة النووي. آن الأوان لأوروبا وروسيا وتركيا وغيرها من اللاعبين في الشرق الأوسط أن يبدأوا بالحديث عن رؤية جيوسياسية إيجابية وحالمة. وينبغي أن يبدأ ذلك مع الحكومة في إيران.
2
شارك
التعليقات (2)
Cowboy français
الجمعة، 01-06-201808:16 ص
امريكا ليس لديها نظرة جيوسياسية؟؟؟؟؟؟
هههههههههههههههههه!!!! مقال مترجم بدون ترابط ولا تنسيق!!!
رائد خير
الخميس، 31-05-201811:46 ص
منذ أن أسقطت أمريكا حكم الشاه في إيران عام 1979 بتدبير الجنرال روبرت هايزر قائد القوات الأمريكية في أوروبا ، أطلقت أمريكا أيدي نواطيرها من الآيات و ملالي الفرس الحاكمين ليقوموا بتصدير "الفوضى الخلاقة" المطلوبة أمريكياً تحت شعار تصدير "الثورة" و امتد نشاطهم المكلف من أفغانستان إلى موريتانيا.
كانت أمريكا و لا تزال معنية بأن يرتد المسلمون عن دينهم على أيدي كهنوت الشيعة ، و لكن هذا الكهنوت ليست لديه أفكار و ممارسات تقنع العقل و يطمئن لها القلب . لذلك استعملوا المال في سبيل "تشييع" الناس و صار المتشيع الجديد "المفتحة عينيه" يتلقى راتباً شهرياً من السفارة الإيرانية في بلده و بالطبع كان هنالك متشيعون بدون رواتب و لكنهم من الصنف "الأهبل" الذي لا يفيد كثيراً في مخططات الحكام الفرس الإرهابية .
لقد قامت إيران بدورها الوظيفي خير قيام تماماً كما حددته أمريكا . ليس من الوارد أن تؤذي أمريكا فارس و إنما ستبقى تستغلها في إيذاء الآخرين . بعبارة أخرى ، ما تفعله أمريكا الآن تجاه عميلتها إيران المقصود منه ضرب من يحاول أن يتقدم لمنافسة أمريكا اقتصادياً أو سياسياً أو في مناطق نفوذها.