هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
إن الإصرار والجرأة الإسرائيلية على الاستمرار في ضرب أهداف إيرانية في سوريا كما حدث في التيفور واللواء 47 والكسوة بالأمس، إنما هي ناتجة بالدرجة الأولى عن إدراك إسرائيلي لمحدودية قدرات وخيارات إيران في الرد الرادع والمؤلم لها، فكيف سترد إيران؟ ومن أي منطقة؟ ومتى؟
يمكن القول أن لدى إيران خمسة خيارات رئيسية للرد على الاعتداءات الإسرائيلية، إما أن ترد انطلاقا من الأراضي السورية وبطريقتين: إحداهما مباشرة من خلال قواتها العاملة في سوريا، وإما بطريقة غير مباشرة وذلك من خلال المليشيات التابعة لها، وقد يأخذ ذلك الرد ثلاثة أشكال -الأول إطلاق صواريخ باتجاه أهداف إسرائيلية عسكرية على الأرجح وليست مدنية، والثاني -من خلال الاختراق الجوي لطائرات متفجرة بدون طيار، والثالثة اختراق وتسلل بري واشتباك مباشر مع قوات إسرائيلية داخل فلسطين المحتلة.
أما الخيار الثاني: فهو الرد من خلال حليف إيران الأول في المنطقة وهو حزب الله اللبناني وهو مستبعد لأسباب تتعلق بحسابات المصالح لدى المقاومة اللبنانية، ومدى قدرات إسرائيل التدميرية والتي هددت بتحميل الدولة اللبنانية بكاملها مسؤولية أي تحرك عسكري لحزب الله باتجاه إسرائيل.
أما الخيار الثالث وهو الضرب انطلاقا من الأراضي الإيرانية بشكل مباشر فهو مستبعد أيضا، لأن نتائجه ستكون وخيمة على كافة الأطراف، ويبدو أن إيران غير جاهزة لهذا الخيار والذي يعني على الأرجح مواجهة شاملة مع إسرائيل وأمريكا.
أما الخيار الرابع فهو قيام إيران ومن خلال أنصارها و خلاياها النائمة في العالم بضرب أهداف إسرائيلية أو أمريكية وهو أسلوب قد تكون إيران قد تخلت عنه ومنذ مدة طويلة، بسبب استقرار النظام فيها وتطور علاقاتها الدولية، ومن الملاحظ أن إسرائيل تظهر وتبرز خشيتها من هذا الخيار في محاولة منها لضرب إيران في الوعي العالمي و تأكيد علاقاتها بالإرهاب وأساليب المنظمات و العصابات والمرفوضة دوليا.
أما الخيار الخامس وقد يكون الأكثر جدوى وأمانا لإيران وهو تعزيز دعمها للمقاومة الفلسطينية في الداخل والخارج، ويأخذ ذلك ثلاث أشكال أساسيه -الأول دعم المقاومة الفلسطينية لبناء قدراتها العسكرية في الجنوب اللبناني لتمكينها من مناوشة إسرائيل، وخاصة في أوقات الطوارئ كحرب على قطاع غزة.
وأما الشكل الثاني فهو زيادة دعمها المالي للمقاومة داخل فلسطين المحتلة بشكل عام، وفي قطاع غزة بشكل خاص إضافة إلى استخدام ما تملكه من تأثير ومن قدرات لوجستية عالية لإيصال أنواع معينة من السلاح والعتاد للمقاومة الفلسطينية في غزة.
وهناك شكل ثالث وهو قيام جهات إيرانية بتجنيد أفراد فلسطينيين أو غير فلسطينيين للقيام بعمليات ضد أهداف إسرائيلية في الداخل الفلسطيني المحتل.
وقد تلجأ إيران إلى تعزيز خياراتها السابقة في الرد على إسرائيل من خلال تدفيع من تتهمهم بأنهم حلفاء إسرائيل، ثمنا باهظا آخر كزيادة تورط السعودية في اليمن، وتعزيز قدرات الحوثيين ورغبتهم في استهداف مواقع واسعة وحساسة في قلب المملكة السعودية على سبيل المثال، ويعتبر هذا ردا سهلا وفوريا.
أما إسرائيل فهي تتوقع الخيار الأول من إيران (الرد من سوريا)، وأن يكون ذلك بعد انتهاء انتخابات لبنان وإعلان ترامب قراره النهائي من الاتفاق النووي معها، أما وقد تم ذلك فقد أعلنت حالة التأهب القصوى، واستدعت قوات الاحتياط بسلاح الجو وأمرت بفتح الملاجئ في منطقة الجولان، وهي تصدر إشارات مستمرة بإمكانية استيعابها لخيار رد إيران الأول شريطة أن لا يؤدي لخسائر إسرائيلية غير محتملة، وقد يكون ذلك مقدمة وأساسا لرسم وبناء قواعد لعبة صراع جديدة مع إيران، أي تبادل متكرر للضربات تربح فيه إسرائيل أكثر بكثير مما تخسر.
وهكذا تبدو خيارات إيران المباشرة والفورية في مواجهة إسرائيل ومن خلفها أمريكا صعبة ومحدودة، أما خياراتها غير المباشرة ومتوسطة وطويلة المدى كدعم المقاومة الفلسطينية في الداخل والخارج، فهي أجدى و أكثر فعالية.