هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
من الصعب على أي مراقب أو مبحر بين أمواج الفضاء الحقيقي أو الافتراضي أو حتى الإعلامي العربي أن ينكر أن تهمة "العديد" أو "قاعدة العديد" أو حتى "خطيئة العديد" تأتي على رأس السهام الموجهة لدولة قطر خلال الأزمة الأخيرة.
صحيح أن وجود قواعد عسكرية أجنبية على أرض دولة ذات سيادة هو أمر مرفوض مطلقا لكن منطق العلاقات الدولية الذي فرضه المنتصرون في الحرب العالمية الثانية لا يزال ساريا وهو الذي يفسر وجود القواعد العسكرية في كثير من الدول العظمى مثل اليابان وكوريا الجنوبية وإيطاليا وألمانيا هذا دون الحديث عن القواعد السرية.
التهمة قديمة لكنها بلغت أوجها خلال ثورات الربيع وخاصة خلال أزمة الحصار. التهمة لا تصدر عن جهات رسمية ولا عن خطاب إعلام دول الحصار نفسها ومنصاتها الإعلامية بل تصدر أساسا عن المنصات المحسوبة على "محور الممانعة " أو عن الأبواق الانقلابية في مصر وفي ليبيا وكذلك في تونس وغيرها من الدول العربية.
الملاحظتان على قدر من الأهمية لسببين:
قِدم التهمة لا يربطها مباشرة بالحصار لأنها سابقة له بل يقذف بها نحو الخزان التقليدي للتهم الجاهزة لدولة قطر منذ المنعطف الذي دشنه أميرها السابق الشيخ حمد معلنا عن توجهات الدولة وخياراتها الجديدة.
أما انعدام صفة الرسمية عن هذه التهمة فإنه يشي ثانيا بطابعها المحرج للخطاب الرسمي خاصة خليجيا فلا يمكن أن نتهم قطر بإواء قوات دولة حليفة لكل دول الخليج تقريبا. هذا الحرج يظهر أيضا في الخطاب الإعلامي الانقلابي المصري وخاصة في المنابر الأقل إسفافا -على ندرتها- والتي لا تركز كثيرا على هذه النقطة مقارنة بمنابر الردح اليومي الأخرى.
التهمة قديمة إذن وغير رسمية.
يعود تاريخ القاعدة إلى اتفاق عسكري أبرم بين قطر والولايات المتحدة عقب حرب الخليج الثانية في 1991 وتم بناء القاعدة وتوسيع الاتفاقية في 1996. ثم تم استخدام القاعدة بشكل سري في 2001 عندما استخدمتها الولايات المتحدة لإسناد عملياتها في أفغانستان بسبب موقعها الجغرافي المتميز.
القاعدة اليوم هي مقر رئيسي لعمليات ثلاثة جيوش : قوات سلاح الجو القطري وقوات سلاح الجو الملكي البريطاني وسلاح الجو الأمريكي حيث تعمل قاعدة العديد الجوية كقاعدة لوجستية وقيادة للعمليات الأمريكية في أفغانستان والعراق.
هاته المعطيات وغيرها موجود بالتفصيل على مواقع عديدة على الشبكة وهو ما ينفي عنها طابع السرية الذي يلف كثيرا من القواعد في المنطقة العربية والتي لا تخرج حيثياتها وأدوارها للعلن.
معطيات كثيرة يصعب الإتيان على مجملها في هذا الحيز الضيق لكننا نجملها في الخلاصات التالية :
يتعلق المعطى الأول بالتوقيت وتاريخ إنشاء القاعدة وهو تاريخ على غاية من الأهمية.
لماذا التركيز على قاعدة العديد في قطر وكل المنطقة العربية تقريبا قواعد عسكرية معلنة أو سرية ؟ لماذا نجح الإعلام العربي في التشهير بقاعدة العديد دون غيرها من القواعد فبات يُعرف اسمها ولا يعرف اسم القواعد الأخرى ؟
عند غزو الكويت من قبل النظام العراقي أدركت الكثير من الدول الغنية والصغيرة أنها هي الأخرى قابلة للغزو وأنها مهددة به في كل حين خاصة إذا كانت المساحة صغيرة وعدد السكان محدودا والثروة متوفرة. وهو أمر ينطبق على دولة قطر والإمارات وسلطنة عمان والبحرين بشكل خاص. فقد سارعت هذه الدول إلى البحث عن حلول تدفع بها إمكانيات الغزو فكانت فكرة استضافة القوات الأجنبية في شكل قواعد بشكل يسمح بردع كل مشاريع الغزو وإسقاط النظام.
ففي الإمارات توجد قاعدة الظفرة الجوية التي تضم الفرقة الجوية الأمريكية رقم 380 إضافة إلى مناء زايد الذي ترسو فيه السفن الحربية الأمريكية. في سلطنة عمان توجد قاعدة مصيرة الجوية التي تضم قوات بريطانية وأمريكية كما توجد بالكويت قواعد أمريكية مختلفة ومعسكرات تدريب أما البحرين فتوجد بالمنامة قاعدة أمريكية بحرية هي موطن القيادة المركزية للقوات البحرية والأسطول الخامس الأمريكي بحاملات طائراته وغواصاته ومدمراته البحرية.
الهدف ليس القاعدة في حدّ ذاتها بل الهدف هو تشويه الدولة التي تأوي القاعدة وإظهارها بمظهر الدولة العميلة والخائنة
إذن لماذا التركيز على قاعدة العديد في قطر وكل المنطقة العربية تقريبا قواعد عسكرية معلنة أو سرية ؟ لماذا نجح الإعلام العربي في التشهير بقاعدة العديد دون غيرها من القواعد فبات يُعرف اسمها ولا يعرف اسم القواعد الأخرى ؟ لماذا لا نعرف اسم القواعد الأمريكية في ألمانيا وفي اليابان وفي كوريا الجنوبية وهي دول اقتصادية وعسكرية عظمى ؟ لماذا التركيز على القاعدة القطرية في حين أن كل العراق وكل سوريا قواعد أمريكية وروسية وبريطانية وفرنسية وغيرها .
الكارثة هي أن أنصار المقاومة والممانعة التي استدعت كل قوى الموت العالمية للثأر من ثورة الشعب السوري يغمضون العين عن قاعدة حميميم وقاعدة طرطوس الروسيتين
فكيف يصدق المرء اليوم أن الطائرة الأمريكية تحتاج إلى التحليق من قطر لتصل إلى شمال العراق أو جنوبه في حين أن العراق نفسه صار قاعدة أمريكية منذ الغزو والاحتلال وكذا أفغانستان .
إن شيطنة قطر ليست في الحقيقة إلا جزءا من شيطنة الربيع العربي وثوراته السلمية التي أسقطت عروش كثير من الطغاة العرب وإلاّ فكيف نفهم أن القومجيين العرب استفاقوا اليوم واكتشفوا فجأة أن القاعدة موجودة ؟
الكارثة هي أن أنصار المقاومة والممانعة التي استدعت كل قوى الموت العالمية للثأر من ثورة الشعب السوري يغمضون العين عن قاعدة حميميم وقاعدة طرطوس الروسيتين واللتين منهما تنطلق الطائرات والصواريخ لتقصف أحياء الغوطة وحلب ودير الزور وتقتل الأطفال والمدنيين.
التركيز لا ينصب إلا على دولة قطر وهي الواقعة بين كماشتي العملاق الإيراني والمملكة العربية السعودية اللتين قد تنشب حرب بينهما تجعل من قطر لقمة سائغة بين الفيليْن. قطر مكرهة على حماية أرضها بإبرام اتفاقيات دفاع مشتركة كما فعلت مؤخرا عندما احتاجت إلى القوات التركية لتمنع دول مجلس التعاون من غزوها عسكريا خلال أزمة الحصار الأخيرة كما صرح بذلك أمير دولة الكويت.
لو لم تكن "خطيئة العديد " لكانت خطيئة أخرى خاصة بعد نجاح الثورة المضادة في تحقيق انتصارات جبارة إثر الانقلاب المصري الدامي الذي تحول إثره ربيع الشعوب إلى ساحات للقتل والدماء. لو كان "إعلام العار العربي" جادّا في اتهامه لقطر فكيف يصمت عن سوريا التي تحولت إلى قاعدة دائمة لكل الجيوش والمرتزقة والشركات الأمنية الخاصة في العالم ؟
يعوّل الإعلام الانقلابي العربي كثيرا على سذاجة المتلقي الذي عاش عقودا على كذبة المقاومة والصمود والممانعة والموت لأمريكا. وهي شعارات أكدت ثورات الشعوب زيفها وضلالها وأثبتت أنها لا تعدو أن تكون قناعا يخفي أشرس الأنظمة الدموية وأكثرها عمالة.
عاشت أجيالٌ تنتظر تحرير القدس من فيلق القدس وتنتظر النصر الإلاهي من حزب الله وتأمل بالتحرير من منظمة التحرير لكنها اكتشفت اليوم أنها لم تكن إلا أدوات لبيع القدس وبيع فلسطين والتفريط في الجولان وذبح شعب سوريا.
بل حتى الجيش العربي السوري لم يكن سوريا ولا عربيا كما أن جيش مصر لم يكن ليحرر غزة ولا لينصر أهل فلسطين بل كان رصاصة في صدر الثوار وحارسا أمينا لحدود صهيون.
إذا كان يجوز لقطر الصغيرة مضطرة ومكرهة أن تدافع عن نفسها من عدوان خارجي مستعينة بقواعد التوازن الاستراتيجي ومستفيدة من موقعها على الخارطة - كما هو الحال بالنسبة للإمارات والبحرين والكويت وعمان- فكيف نفهم سعي الكبار خاصة من الممانعين ومقاومين من أعداء الرجعية والامبريالية إلى جلب كل المرتزقة والجيوش لحمايتهم من شعوبهم لا من عدوان خارجي ؟