هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في كلمة لها في مجلس الأمن أمس، قالت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هالي إنّ التقديرات الأمريكية تشير إلى أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد استخدم الغاز السام ضد المدنيين في سوريا 50 مرة على الأقل، بينما تشير التقديرات العامة إلى أنّه أستخدمها أكثر من 200 مرة.
وأشارت هالي في حديثها إلى أن هذا الاستخدام يعد انتهاكا لكافة المقاييس الأخلاقية وانتهاكا للإجماع الدولي على أن الأسلحة الكيماوية تمثل "نوعا فريدا من الشر"، مضيفة أنّ روسيا هي الوحيدة التي قامت بالدفاع عن استخدام النظام لهذه الأسلحة، وأنها الوحيدة التي أوقفت التحقيقات المشتركة التي تسمح للعالم بتأكيد ذلك مستخدمة حق النقض "الفيتو" 12 مرّة لحماية نظام الأسد، منها 6 مرات لمنع إدانة استخدامه للأسلحة الكيماوية، مؤكّدة أن ما يزيد الأمر سوءا هو أن روسيا هي المصدر الوحيد لكافة الأسلحة الكيماوية المتواجدة في سوريا.
ما قالته هيلي صحيح، ولا يمكن لأحد أن يجادل فيه. الرسالة التي تريد مندوبة أمريكا إيصالها للعالم من خلال هذا الكلام هو أن موسكو مسؤولة عن استخدام الأسد للسلاح الكيماوي لدرجة تسمح بتعريفها بأنها شريك في الجرائم التي يرتكبها عند استخدامه لهذه الأسلحة. أمّا الهدف من هذه الرسالة فهو زيادة الضغط السياسي على موسكو لدفعها لكي تفعل شيئا بهذا الخصوص، فربما تقدّم تنازلات، وربما تعطي ضمانات، وربما تضغط على الأسد، أو هكذا يعتقد البعض أنّها ستفعل مع ازدياد هذا الضغط.
المشكلة في هذا السياق أن ما تمّ عرضه أعلاه هو نصف الحقيقة، أما النصف الذي تمّ إخفاؤه من خلال التركيز على روسيا فهو الجزء المتعلق بمسؤولية الولايات المتّحدة والمجتمع الدولي عن استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري.
عندما استخدام الأسد السلاح الكيميائي في العام 2013، وكان العالم أن يتحرك لمعاقبته على ذلك، دفعت روسيا باتجاه صفقة لإنقاذ النظام السوري من العقاب. لقد كانت هذه الصفقة بمثابة المخلّص لإدارة أوباما، إذ أعفتها هي الأخرى من مسؤولية شن هجوم عسكري على الأسد لمعاقبته إلاّ أنها لم تعفها من مسؤولية تنفيذ الصفقة.
من الواضح أن الصفقة الكيميائية لم تطبّق، فعلى الرغم من أنّ هدفها كان يتمثل بتجريد الأسد من السلاح الكيميائي، إلا انّه ظل قادرا على استخدام المواد الكيميائية السامة ضد شعبه باعتراف الجانب الأمريكي نفسه. فإذا كانت روسيا تحمي الأسد، فان الولايات المتّحدة فعلت نفس الشيء من خلال إعفاء نفسه عن تحمّل مسؤولية متابعة الصفقة الكيميائية التي عقدتها مع روسيا.
المجتمع الدولي وعلى رأسه الدول الأوروبية دائمة العضوية في مجلس الأمن والصين، يتحمل أيضاً مسؤولية استخدام الأسد للأسلحة الكيمائية ضد المدنيين، ذلك أن تنفيذ الصفقة الكيميائية بين أوباما وبوتين تمّت بالاستناد إلى قرار صادر عن مجلس الأمن، وهو القرار 2118. هذا القرار تضمّن جريمة إضافية بحث الشعب السوري ذلك أنّه لم يتضمن اتخاذ إجراءات عقابية مباشرة حال خرق الأسد له، وإنما تضمّن دعوة للعودة إلى مجلس الأمن لمناقشة اتخاذ قرار بهذا الشأن. بمعنى آخر، فإنّ ما نشهده من مهازل حاليا في مجلس الأمن يعود في جزء منه إلى هذا القرار الذي كانت جميع الدول المعنيّة تعي ماهيته عند التوصّل إليه.
بهذا المعنى، فإن القتل الممنهج الذي يتّبعه الأسد بحق الشعب السوري لاسيما بالأسلحة الكيميائية تتحمّل مسؤوليته جميع هذه الدول، بالإضافة إلى النظام الإيراني الذي لولاه لما كان الأسد لما بقي الأسد حتى يومنا هذا. إلقاء اللوم على روسيا أمر صحيح، لكن توقّف الرواية عند هذا الحد جريمة لا تقل عن جريمة الأسد و داعميه المباشرين.