رغم كل التحذيرات الإسرائيلية، ووسط الاحتفالات الفلسطينية بيوم الأرض في 30/3، انطلقت مسيرات العودة في غزة متحدية الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل ومصر وسلطة رام الله.
وجاءت المسيرات السلمية في ضوء إجماع فصائلي دون فتح (تنظيم السلطة)، حيث تقاطرت الجموع إلى الحدود مع العدو متحدية الحشد الإسرائيلي هناك، والمصحوب بالاستنفار والخوف من اختراق الجماهير للحدود، فكانت حصيلة أول جمعة 17 شهيدا ومئات الجرحى، فيما سقط شهداء آخرون في (جمعة الكاوتشوك) التي تلتها.
ومسيرات العودة السلمية ليست جديدة، ولكن قيادة حماس في غزة قررت ركوبها لتوجيه غضب الجماهير على الاحتلال الذي يقف وراء الحصار ويحرض عليه.
فك الحصار أم عودة اللاجئين
وفي إطار السعي لفك الحصار، قامت قيادة حماس بحث الجماهير على المشاركة في المسيرات السلمية لتحقيق الأهداف التالية:
1- تصدير قضية الحصار للعدو المتسبب فيه وليس لأي طرف آخر كمصر وعباس، فوجهت قيادة هذه الحركة المسيرات إلى العدو في فعالية اتسمت بالسلمية على خلاف الحروب التي خاضتها الحركة مع الاحتلال في 2008 و2012 و2014.
2- التأكيد على التمسك بالثوابت الفلسطينية وعلى رأسها قضية القدس التي أطلقت واشنطن مخططا للاعتراف بها عاصمة للكيان الصهيوني في إطار صفقة القرن.
3- تفعيل حق عودة الفلسطينيين إلى الديار التي هجروا منها، وتذكير العالم بهذا الحق والتأكيد على التمسك به في مواجهة صفقة القرن التي ستمس بحقوق اللاجئين لصالح التوطين.
ورغم أن المطلبين الأولين مشروعان ومهمان للشعب في غزة، إلا أن التعبير عنهما بهذا الشكل أوقع خسائر بشرية دون وضعهما في إطار خطة استراتيجية لفك الحصار وتفعيل خط التحرير والعودة، الأمر الذي يثير علامة استفهام حول طريقة تحقيقهما والثمن الذي سيدفع لذلك.
أما المطلب الثالث فلا يكتسب صفة منطقية مع فلسطينيين على أرضهم، فالفلسطينيون في الشتات معنيون به أكثر من غيره، ومع ذلك لم تنجح حماس عبر تواجدها الممتد في العالم العربي في تفعيله رغم أن مسيرات العودة كان يفترض بها أن تنطلق في كثير من الدول وأوروبا.
وهذا جعل غزة وحيدة في تسيير المسيرات وتحمل عبء الخسائر البشرية بسبب وحشية الاحتلال ورعبه من الجماهير المتجهة على حدوده.
تحدي الحصار وعباس
وجاءت المسيرات في ظل تصعيد عباس في غزة وتهديده بقطع الرواتب عنها، بل وحتى الانفصال عنها بعد محاولة الاغتيال المزعومة لرئيس الحكومة رامي الحمد الله، لتقول حماس إن غزة ترفض قراراته، وتصر على فك الحصار عنها في فعاليات ممتدة حتى منتصف مايو (أيار) المقبل إحياء لذكرى النكبة الفلسطينية.
ويتخوف عباس أن تصبح غزة أرضا للدولة الفلسطينية، وأن تتساوق حماس مع المخطط الإسرائيلي- الأميركي- المصري بهذا الشأن بعد تهيئة سيناء لهذا الغرض. ولهذا يستمر الرئيس الفلسطيني في إجراءاته العقابية خدمة للعدو، ويمنع تفاعل الشعب في مناهضة صفقة القرن.
وفي هذه المسيرات، أكدت حماس للكل أنها لن تكون ترسا لأي مخطط لتجزيء فلسطين وإحداث القطيعة مع الضفة وتمرير صفقة القرن.
بل إنها أكدت العكس من ذلك، وأثبتت أن غزة ستكون درعا للوطن وستواجه بكل قوة تطبيق صفقة القرن دون أن تلتفت لموقف عباس الحقيقي من الصفقة. وبالنسبة للعدو فلا يزال يعيش في تخبط في كيفية مواجهة شكل جديد من أشكال النضال لم يسبق له أن واجهه من قبل.
ورغم ضعفها في الضفة بسبب الاعتقالات، إلا أن حماس في الضفة ستتناغم مع هذا الموقف وستدعمه ضمن حراك جماهيري وضمن استمرارية المقاومة الشعبية والعنيفة لمخطط تهويد المسجد الأقصى.
كسر الحصار .. هل ينجح؟
ويبدو أن حماس لجأت لأسلوب جديد في لفت أنظار العالم للحصار والمطالبة بكسره.
ويعتمد هذا المنهج على استمرار الحراك الشعبي السلمي ضد إسرائيل، والتصعيد السياسي ضدها كونها لا تسعى لاستخدام القوة لأنها في حالة هدنة غير معلنة مع الاحتلال في غزة.
على أن استمرار ضعف الضفة والخارج في دعم هذا الحراك والمشاركة فيه يستدعي جهودا حثيثة لغزة لوحدها على أمل أن يتطور ذلك إلى مشاركة حقيقية من الشتات فيه في المستقبل القريب.
وعلى الأرجح أن الحصار الذي يستهدف تقويض قوة حماس في غزة سيستمر ما لم يكن هناك تحرك فلسطيني وعربي لكسره، وهو الذي لن يحصل في ظل صفقة القرن التي تتورط فيها بعض الدول العربية.
وستظل حماس تواجه الحصار وحدها في محاولة للخروج من عنق الزجاجة، ما سيؤدي إلى مواجهات مع العدو لا يتوقع أن تتطور إلى حرب لا يرغب بها أي من الطرفين.
كتب على غزة أن تلعق جراحها وحدها إلى أن يحصل تغيير فلسطيني في السلطة والمنظمة، أو يحصل تغيير إيجابي في محيطها العربي.