هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ثلاثة مؤتمرات حول فلسطين سيشهدها الأسبوع القادم، قطاع غزة له حصة أساسية من هذه المؤتمرات ذات الأهداف المتباينة تحت عنوان إنقاذ غزة والأوضاع الفلسطينية المتردية، عبر وسائل مختلفة، فمن خلال عصف ذهني كما هو الحال مع مؤتمر واشنطن، ومحاولة لإنقاذ «الأونروا»، كما هو الحال مع مؤتمر روما، أو لاستكمال الدعم المالي اللازم للبدء في تنفيذ مشروع محطة تحلية مياه البحر في قطاع غزة.
الحديث عن هذه المؤتمرات وتقارب زمن انعقادها، ليس بالضرورة لإيجاد قواسم مشتركة فيما بينها، ولكن للإشارة إلى أن الوضع الفلسطيني بشكل عام، وأوضاع قطاع غزة الكارثية على وجه الخصوص، باتت تتطلب اهتماما دوليا في لحظة سياسية فارقة، تتخذ من هذه الأوضاع مرتكزا لتحولات المعايير الإنسانية والاقتصادية إلى عناصر ذات أبعاد سياسية بامتياز، لتجنب الانفجار الأمني العسكري في وجه دولة الاحتلال من ناحية، ولتأهيل الوضع الفلسطيني للاستجابة لاستحقاقات ومتطلبات تمرير باقي ملفات ما بات يسمى بـ«صفقة القرن»!
وإذا كانت المؤتمرات تحدد مواعيدها وأجندتها والمشاركين فيها بشكل واضح، إلاّ أن الدعوة المفاجئة من قبل المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي جيسون غرينبلات لعقد جلسة للعصف الذهني لإنقاذ الأوضاع في قطاع غزة، جاء مفاجئا ومن دون تحديد للأطراف التي ستشارك في هذا «العصف الذهني» في البيت الأبيض الأسبوع القادم، إلّا أن إشارة غرينبلات إلى أن هذه الدعوة تأتي إثر مشاورات جرت مع القاهرة مؤخرا، وتأكيد دور «الرباعية الدولية» وضرورة التزام حركة حماس باشتراطاتها حول مشاركتها بالعملية السياسية على الصعيد الفلسطيني، يشير إلى أن «الرباعية»، قد تشارك في هذا العصف، في وقت أفادت فيه بعض وسائل الإعلام الأمريكية بأن عدم تناول غرينبلات الأطراف المشاركة في مؤتمر واشنطن، محاولة لإخفاء أسماء بعض المشاركين الفلسطينيين من قطاع غزة تحديدا في هذا المؤتمر، إلّا أن هذه الملاحظة لم تجد من يسندها عبر وسائل إعلامية أخرى.
وكان من الطبيعي أن ترفض السلطة الوطنية الفلسطينية، المشاركة في هذا المؤتمر، باعتبار أن الحل هو حل سياسي، سواء في قطاع غزة أو حول الوضع الفلسطيني على وجه العموم، وأن الأمر لا يتعلق فقط بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية، بقدر ما يتعلق بحل عادل للقضية الفلسطينية، وإذا كان الأمر كذلك فعلا، فإن محاولة عقد مؤتمر واشنطن حول قطاع غزة يأتي استباقا لمؤتمرين آخرين، لهما استهدافات مختلفة تماما عن مؤتمر واشنطن، بهدف الالتفاف على نتائج هذه المؤتمرات وتحويل الأنظار عن الأبعاد السياسية للكوارث الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين خاصة في قطاع غزة.
ليست هي المرة الأولى التي يتناول فيها غرينبلات الأوضاع الكارثية في قطاع غزة، كما أنها ليست المرة الأولى التي ينتهز فيها الفرصة للتحريض على حركة حماس، لكنها ربما المرة الأولى التي يعلن فيها عبر مقالة في «واشنطن بوست» عن مواجهة مع القيادة الفلسطينية، إثر الرفض الفلسطيني للحراك الأمريكي عبر بوابة «صفقة القرن»، لكي تشكل الأوضاع في قطاع غزة عنوانا إضافيا لهذه المواجهة، لما يمثله القطاع من قضية بالغة الحساسية والتعقيد في ظل الأوضاع السياسية الفلسطينية الداخلية من ناحية، ومكانة قطاع غزة في الترتيبات الأمريكية المتعلقة بـ«صفقة القرن».
وبينما ينعقد المؤتمران الآخران في روما وبروكسل، لإنقاذ «الأونروا» ولمتابعة أعمال مؤتمر الدول المانحة لفلسطين المنعقد أوائل العام الجاري، يأتي مؤتمر واشنطن للدردشة والعصف الذهني للإشارة إلى أن الولايات المتحدة هي من تقود العملية السياسية في الشرق الأوسط عموما، وحول الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي على وجه الخصوص، وأن واشنطن هي من تقرر رغم معارضة الاتحاد الأوروبي وكل العالم تقريبا، للخطوات الأمريكية المتعلقة بـ«صفقة القرن»، خاصة حول ملفي القدس واللاجئين، وأن دعم أوروبا للحراك الفلسطيني، خاصة إثر القرار الذي اتخذته القيادة الفلسطينية للتوجه للمنظمة الدولية لمناقشة مشروع قرار حول عضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة مآله الفشل، وبالتالي فإن مؤتمر واشنطن يتجاوز الدردشة والعصف الذهني، كما يتجاوز كارثة غزة، إلى عنوان أكثر شمولا وتحديا للإرادة الدولية، ومحاولة بائسة لكي ترسم واشنطن وحدها خريطة ومساقات العملية السياسية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي!