مقالات مختارة

الحرب على الغوطة: محطة مختلفة

فايز سارة
1300x600
1300x600

لعله من الخطأ الفادح اعتبار الحرب على الغوطة فصلا من فصول حرب نظام الأسد وحلفائه على السوريين ومحاولة إخضاعهم وإعادتهم إلى حظيرة النظام. والأساس في هذا الخطأ أن أصحابه لا يرون في الغوطة إلا واحدة من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وخوض المعركة ضدها يتماثل مع معارك سوف تتم لاحقا في مناطق أخرى، تفوق الغوطة مساحة وسكانا وفيها قوات أكبر من المعارضة المسلحة، وكله يفرض على النظام فصولا من الحرب تكون أهم من الحرب على الغوطة.

تنقسم المناطق الخارجة عن سيطرة النظام إلى أربع مناطق؛ أولاها منطقة الجنوب، وتشكل درعا مركزها، ورغم أن الغلبة في هذه المنطقة لفصائل مسلحة معتدلة، تملك روح الدفاع العسكرية والشعبية عن مواقعها في مواجهة أي عمليات عسكرية لنظام الأسد وحلفائه، فإن صلتها بالجوار الأردني – الإسرائيلي، تجعلها عرضة لتأثيراتهما سواء على صعيد العمليات العسكرية أو على صعيد نتائجها السياسية، مما سيجعل الحرب على الجنوب محكومة بنتائج التوافقات السياسية الإقليمية والدولية، والأمر نفسه ينطبق على منطقة الوسط وصولا إلى الشمال السوري، والتي تعتبر إدلب مركزها الرئيسي، وتتوزع السيطرة في المنطقة ثنائية مسلحة قسم منها تنظيمات، ترفع راية الجيش الحر، وأخرى تنتمي إلى «القاعدة»، وتقودها هيئة تحرير الشام، وفي كل الأحوال، فإن الحضور التركي في المنطقة، يملك تأثيرات حاسمة سواء في الجانب السياسي أو العسكري، بل هو موجود بقواته مباشرة سواء في إطار ما هو معروف باسم قوات درع الفرات أو لاحقتها المعروفة باسم قوات غصن الزيتون، ولهذا السبب فإن مصير المنطقة، إذا جرت الحرب عليها سيكون مماثلا لمنطقة الجنوب، ومحكوما من الناحيتين السياسية والعسكرية بالتأثير التركي وعلاقاته شديدة التعقيد، خصوصا بالطرفين الرئيسيين من المتدخلين الفاعلين في القضية السورية روسيا والولايات المتحدة.

أما المنطقة الثالثة والأخيرة، فهي منطقة شرق الفرات، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية تحت قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (BYD) مع وجود عسكري أمريكي مباشر، وهذه ستكون محكومة بالموقف الأمريكي في المستويين السياسي والعسكري في إطار التسوية العامة للقضية السورية، أقل مما هي محكومة بجوارها العراقي - التركي.

وحدها المنطقة الرابعة في غوطة دمشق الشرقية لها خصوصية مختلفة عن المناطق الثلاث المفتوحة أو التي يمكن أن تُفتح على جوارها وعليها تأثيرات سياسية وعسكرية. إذن هي منطقة مغلقة واقعة تحت حصار من النظام وحلفائه منذ خمس سنوات، وفيها حشد سكاني كثيف يبلغ ما بين أربعمائة وخمسمائة ألف نسمة، وفيها تنظيمات مسلحة رغم طابعها الإسلامي، فإنها أقرب إلى التشكيلات المعتدلة، ولها تمثيل حاضر في جهات التفاوض السوري، ولديها خبرة ميدانية وحاضنة اجتماعية قوية، جعلتها رغم جوارها لقلب النظام وقوته، تقاوم هجمات النظام وحلفائه على مدار السنوات الماضية، وكرّست في ذلك رمزية سياسية وعسكرية على مقاومة النظام، وكلها عوامل جعلتها أبعد من المناطق الأخرى عن التأثيرات الخارجية لجهة تفاعلها مع التطورات السياسية والعسكرية للفاعلين الإقليميين والدوليين في القضية السورية، وكلها عوامل جعلت النظام وحلفاءه، يخففون الحرب على الجبهات الأخرى، ويركزون قوتهم للحسم في حرب الغوطة على نحو ما ظهر في الأسبوعين الأخيرين، والتي أظهرت نتيجتها صعوبة الحسم رغم الوحشية والدموية، التي تصرفت بهما القوات المهاجمة وطيران روسيا ونظام الأسد، وكان ذلك بين عوامل سهّلت تمرير قرار مجلس الأمن الدولي بإقرار هدنة الثلاثين يوما.

وكما هو واضح من محتوى قرار الهدنة، وما أعقبه من تصريحات أطراف تحالف نظام الأسد مع الروس والإيرانيين، فإن الحرب مستمرة، بل إن قرار الهدنة أعطاها مستوى من مشروعية الاستمرار، وأعطى الروس فرصة القيام بتكتيكات سياسية منها فتح ممر لعدة ساعات لخروج المدنيين من الغوطة للمضيّ قدما في الحرب حتى النهاية والسيطرة على الغوطة تحت فرضية الموت أو الاستسلام لكل من فيها، وفي هذا لا يملك أهالي الغوطة سوى خيار القتال حتى النهاية، لأنهم يدركون أن مَن لا تقتله الحرب سيُقتل تحت التعذيب في معتقلات وسجون نظام الأسد.

خلاصة القول في حرب نظام الأسد وحلفائه على الغوطة، أنها تتم وفقا لتجربة الحرب على حلب الغربية، والتي أسفرت عن قتل كثير من سكانها، وترحيل من بقي حيا منهم، وهذا الخط الأخير غائب في الحرب على الغوطة، وحتى لو قيل إنه ممكن، فلا آليات لتطبيقه، ولا ضمانات، والأهم أن أهالي الغوطة قرروا، ألا يسيروا في طريقه أبدا، وكلها حقائق، يطرحها الواقع أمام الرأي العام والقوى المتدخلة في الصراع السوري لتجنب جريمة الإبادة الشاملة لسكان الغوطة تحت سمع وبصر العالم كله.

الشرق الأوسط اللندنية

1
التعليقات (1)
ابو العبد الحلبي
الثلاثاء، 06-03-2018 08:23 ص
تعقيب على مقال الأستاذ فايز سارة: العدوان الثلاثي المجرم (من النصيريين و الروس و أذناب الفرس) هو بترتيب من النظام الدولي و قمة هذا النظام هي من قامت بإصدار التعليمات للشروع فيه و هي من أوعزت لمطبخها "مجلس الأمن" أن يجتمع لأن حجم الهجمة قد تحدد أن يكون رهيباً لا يبقي بشراً و لا شجراً و لا حجراً . لذلك لم يصدر عن هذا المطبخ ، في الحقيقة، سوى إضفاء مشروعية على سحق الغوطة و ارتكاب المجازر بالمدنيين بمختلف الأسلحة بما فيها الكيماوي و النابالم تحت الذريعة الكاذبة بمقاومة الإرهاب و من يتعاونون معه. لكن للغوطة قيمة ثمينة في كشف و فضح البعيد و القريب. معروف عن أمريكا أنها العدو رقم واحد لشعب سوريا ، و يتذكر الأستاذ فايز أن إحدى أوائل الجمع للثورة في بداياتها كان اسمها (أمريكا ، ألم يشبع حقدك من دمائنا؟)، كما يعرف أن تدخلات روبرت فورد و هيلاري كلينتون و جون كيري كانت في تفاصيل التفاصيل مع معارضة الخارج "من أجل إفشالها و حتى تنصيب نصيري لرئاستها". من المعلوم أن أمريكا هي من أوعزت للحكام الفرس بإرسال المليشيات لدعم النصيريين و من المعلوم أيضاً أن جون كيري هو من هدد المعارضة بأشهر من الجحيم "الروسي" عام 2015 إن لم يقبلوا بالحل المتضمن إجراء انتخابات يشارك فيها بشار و زبانيته. لا يقيم بوتين وزناً لأحد سوى أمريكا ، و التدخل الروسي كان بناء على طلب أوباما و كيري مع تعهد بتمويل التدخل من دويلة الإمارات. بعد الشيك الأول الذي دفعه ابن زايد لبوتين "6 مليار دولار" في موسكو ، انطلق الطيران الروسي المجرم بحملته المسعورة على مدينة حلب في سبتمبر 2015 ثم إن الروس استمروا حتى اليوم في المهمة الموكولة لهم من الأمريكان. هنا حجر الزاوية في أساس المشكلة . الروس يقصفون بالطائرات و أمريكا تمنع مضادات الطائرات بصرامة بالغة و دويلة الإمارات تقوم بالتمويل و الفصائل التابعة لدويلات الإقليم لا تتحرك لإنقاذ الغوطة. هل يعني هذا أن المشكلة غير قابلة للحل ؟ أبداً ، بل إن إمكانية قلب الموازين قائمة و لا ننسى في المعادلة أن هنالك رب لهذا الكون يمهل و لا يهمل . دوام الحال من المحال، و هذه سنة كونية و ليست تفكير أمنيات لكن تغيير الحال بحاجة إلى جهود مبدعة بل في غاية الإبداع.