مقالات مختارة

أسباب أخرى للغموض والقلق تجاه صفقة الغاز الإسرائيلي!

جمال سلطان
1300x600
1300x600

لاحظت أن الصحافة الإسرائيلية تتحدث عن صفقة الغاز بصفتها صفقة مع مصر، كما تؤكد على أنها تعزز من الشراكة بين الحكومتين المصرية الإسرائيلية وتدعم التعاون الإقليمي والأمن والاستقرار، وهو حديث لا يتوافق مع كونها علاقة تجارية بين "شركة" مصرية خاصة تستورد بعض الغاز من "شركة" إسرائيلية خاصة، كما لا حظت أن الإعلام المصري يزف لنا البشرى بأن الاتفاقية سيترتب عليها تخلي "إسرائيل" عن دفع الغرامة المقدرة بحوالي مليار ونصف المليار دولار بعد حكم التحكيم في قضية وقف الغاز المصري المصدر إليها، وكثيرون لم يفهموا وجه الصلة بين علاقة تجارية بحتة بين شركتين وبين فض منازعات اقتصادية كبيرة بين دولتين وحكومتين، وإذا كانت الحكومة المصرية ليست طرفا في الاتفاقية، فلماذا تتنازل "إسرائيل" لها عن مليار ونصف المليار دولار، وقد أضاف بعض قراء تلك الزاوية في رسائلهم أن التحكيم الدولي الذي لجأت له "إسرائيل" في السابق اختصم مصر والحكومة المصرية، رغم أن الاتفاق وقتها كان مع شركة خاصة ـ حسب المعلن ـ يملكها رجل الأعمال حسين سالم، والبديهي أن الدعوى ترفع على حسين سالم وشركته، وهذه كلها من "الخربطات" التي تجعل الحليم حيرانا، وتوسع دائرة الشك والقلق عند الناس.

يذكر أنه في ذروة الحماسة عن حقوق مصر المنهوبة في المنطقة وأن الدولة تخطط لاستعادتها، كان الإعلام الرسمي المصري والإعلام المؤيد للرئيس السيسي حتى اليوم، قبل عدة أعوام، يتحدث عن "سرقة" الغاز المصري في شرق المتوسط من قبل "إسرائيل" وتشرح بالتفاصيل وآراء الخبراء وبالأرقام كيف حدث هذا، كما نشرت صحيفة المصري اليوم وقتها حوارا مع خبير بترولي أعاد الإشارة إليه الأستاذ عبد الناصر سلامة في مقاله وقتها، عن تلك القضية، وقال الخبير البترولي الدكتور رمضان أبو العلا في حواره الخطير : أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص لا تقل خطورة عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وناشد الرجل الدولة واستغاث بها لإعادة النظر فيما جرى ويجرى، مطالباً في الوقت نفسه بالتوقف عن دفع تعويض توقف تصدير الغاز لإسرائيل، ذلك أن إسرائيل لم تسدد أي تعويض لمصر عن سرقة أكثر من 235 مليون برميل نفط من سيناء عقب احتلالها في يونيو عام 1967، وذلك من حقول أبردي، بلاعيم، سيدار، تيران، رأس الحكمة، عسل، مطارنة، سدر، حيث رفعت الإنتاج بهذه الحقول في شهر يوليو مباشرة من 87 ألف برميل يومياً إلى 120 ألفاً، بقيمة تصل إلى 12 مليار دولار. وأضاف في حواره الموثق قوله : أنه تم الإعلان عن اكتشاف حجم الغاز الأضخم في العالم بشرق البحر المتوسط عن طريق هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية عام 2010، وبالرغم من تواجد الاكتشافات في منطقة محصورة بين مصر وقبرص، وبالرغم من أن مصر وقعت اتفاقية ترسيم للحدود مع قبرص عام 2003، إلا أن قبرص أعلنت عن اكتشافات في حقل أفروديت، كما أعلنت إسرائيل عن اكتشافات في حقل ليفياثان، بما قيمته في الحقلين 200 مليار دولار، ووقع البلدان اتفاقية ترسيم بينهما على خلاف القانون، ثم رصدت إسرائيل نحو 620 مليون دولار لإنشاء شبكة دفاعية باسم الدرع حول منصات الغاز، بالإضافة إلى 4 سفن حربية مجهزة بنظام مضاد للصواريخ وطائرات استطلاع، ودوريات للزوارق البحرية لحماية المنطقة والسيطرة عليها.

وأضاف "سلامة" في مقاله تعقيبا على ذلك قوله : الغريب أن الدكتور رمضان أبوالعلا عرض خلال اجتماعين بوزارة البترول عامي 2012، 2013 المستندات التي تثبت تواجد الحقلين السابق الإشارة إليهما في المياه الاقتصادية المصرية، ثم اجتماعات أخرى في 2014 كان أطرافها المهندس أسامة كمال، وزير البترول الأسبق، وممثلين عن الجهات السيادية، والمهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء آنذاك، والمهندس شريف إسماعيل بصفته أحد قيادات البترول ورئيس الوزراء بعد ذلك، إلا أن أي إجراء رسمي لم يتم اتخاذه بهذا الشأن.

هذا حديث خبراء مصريين، وليس حديث عوام ولا سياسيين ولا نشطاء، وأعتقد أنه جدير بالنظر وأن نسمع كلام المهندس شريف إسماعيل الذي سمعه حينها من الخبير المصري، وعلى أي أساس تجاهلت الدولة المصرية تلك الحقائق كلها، وكيف يمكن ببساطة أن نتخلى عن حقوق قد تصل إلى مائتي مليار دولار.

الملاحظة الختامية هنا، أن الروح الاحتفالية التي يتعامل بها الإعلام الرسمي والموالي عن تلك الاتفاقية مع "إسرائيل"، وحديث الرئيس الاحتفالي أيضا بأننا أحرزنا "جون" بذلك، يعطي إشارة واضحة على تغير جذري في عقيدة الدولة المصرية ومؤسساتها وموقفها من الجار "العدو" سابقا، وأن العقيدة المصرية الجديدة أن "إسرائيل" صديق حميم، وشريك استراتيجي، وأن هناك استثمارات ضخمة في الطريق شراكة بين البلدين على مدار السنوات العشر المقبلة على أقل تقدير، وأن رهان مصر المستقبلي على أن تكون مركزا لتجارة الغاز المسال، هو رهان على "إسرائيل" بطبيعة الحال، فهي الوحيدة في المنطقة التي تنتجه، خاصة وأن الغاز اليوناني والقبرصي لا مستقبل لإعداده في مصر، لأنه لن يحتاج طريق رأس الرجاء الصالح الجديد، يأتي من أوربا ثم يعود للتصدير إليها، فتلك مرحلة عارضة ومؤقتة بكل تأكيد.

المصريون المصرية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل