هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لطالما حذّر الخبراء في السنوات الأخيرة من مخاطر التصنيفات الانتقائية للجماعات المسلّحة، وكذلك من تطبيق المعايير المزدوجة في التعامل معها. ومن الملاحظ في هذا السياق أنّ الغرب -بشكل عام- منحاز إلى جانب الميليشيات الكردية في سوريا كـ(PYD) وذراعها العسكري (YPG) بشكل غير مبرر حتى عندما كان الصراع ينشب بين هذه الميليشيات والأحزاب الكردية الأخرى مثلا، أو بينها وبين حاضنتها الكردية، وهو أمر جدير بالاهتمام والتحليل.
هناك أربعة أوجه على الأقل تظهر مأزق الازدواجيّة الغربية في التعاطي مع الجماعات الإرهابية بما في ذلك الجماعات التي يصنّفها الغرب وليس أي جهة أخرى، ومن بينها ميليشيات (PKK) وفرعها السوري (PYD) بطبيعة الحال، وهي:
1) يتزعّمهم قائد إرهابي: عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمّال الكردستاني، من أكراد تركيا. وبالرغم من أنّه وحزبه مصّنف إرهابي لدى عدد كبير من دول العالم من بينها أمريكا ودول الناتو، إلا أن ميليشيات "PYD" الكردية السورية تعتبره زعيماً لها أيضاً وترفع صوره وشعاراته وتتمسك بأيديولوجيته علناً. لا يشكّل ذلك أي حرج للمسؤولين الأمريكيين الذين غالباً ما يتجاهلون مثل هذا الأمر كي لا يبحثوا له عن ذراع وتبريرات وتفسيرات واهية. لكنّ مثل هذا التجاهل يسلّط الضوء على الانتقائية التي نتحدّث عنها والتي تخلق “إرهابا جيدا" و"إرهابا سيئا" بحسب المصلحة السياسية، ويجرّد الولايات المتّحدة بالإضافة إلى "الحرب على الإرهاب" من أي مصداقيّة.
وحتى نقرّب الصورة أكثر، تصوّر مثلاً أن تقوم دولة ما بدعم تنظيم يرفع صور وشعارات البغدادي ثم تقول للعالم بأنّه ليس تابعاً لتنظيم داعش وأنّه لا مشكلة لدينا في مثل هذا الأمر! إنّ التهوين من مخاطر إرهاب الميليشيات الكردية من باب أنّها ميليشيات غير دينية يعود بنا إلى المربّع الأوّل للمشكلة.
2) المقاتلون الإرهابيون الأجانب: يعرف القرار 2178 الصادر عن مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي يجيز استخدام القوة ضد الأطراف المعنيّة بالقرار وفق المادة 42، المقاتلين الأجانب بأنّهم "الأفراد الذين يسافرون إلى دولة غير التي يقيمون فيها أو يحملون جنسيتها بغرض ارتكاب أعمال إرهابية أو تدبيرها أو الإعداد لها أو المشاركة فيها، أو توفير تدريب على الأعمال الإرهابية، أو تلقي ذلك التدريب، بما في ذلك في سياق النزاعات المسلحة". كما يطالب القرار المقاتلين الإرهابيين الأجانب بنزع أسلحتهم والتوقف عن جميع الأعمال الإرهابية والمشاركة في القتال في أي نزاع مسلح.
هذا التعريف ينطبق على جهات كثيرة من بينها الميليشيات الشيعية الموالية لإيران والميليشيات الكرديّة الانفصالية، إلا أن تفسيره جاء مفصّلاً ليناسب فقط المهتمين بمحاربة القاعدة وداعش في سوريا. فعلى الرغم من توثيق التقارير بشكل دائم لظاهرة تجنيد الميليشيات الكردية في سوريا لمتطوعين أجانب للمقاتلة إلى جانبها من دول أوروبية ومن الولايات المتّحدة وأماكن أخرى، إلا أن أيّاً من الدول المعنية في الموضوع لم تتحرّك بالشكل الذي من المفترض أن تقوم به.
مقارنة صغيرة بين طريقة تصرّف معظم دول العالم مع المقاتلين الذين تدفقوا للقتال إلى جانب تنظيم داعش بطريقة تصرّف نفس الدول مع الذين يتم تجنيدهم للقتال إلى جانب الميليشيات الكرديّة تعطي القارئ فكرة عن الموضوع. التغطية الإعلامية الغربية لهذا الموضوع خجولة جدا وفرديّة وشبه معدومة لناحية التركيز على جوهر المشكلة، حتى مع قيام المكتب الإعلامي لميليشيات "واي بي جي" الكردية بنشر تسجيلات مؤخراً يتباهى فيها بتجنيد المقاتلين الأجانب الذين يعلنون في هذه التسجيلات استعداداهم لاستهداف دول أخرى من داخل سوريا من بينها تركيا.
3) تجنيد الأطفال: ظاهرة تجنيد الأطفال من المظاهر الأخرى المسكوت عليها لدى الميليشيات الكردية في سوريا. عادة ما يلقى مثل هذا الموضوع حساسية شديدة في الغرب، لكن من الواضح أنّ هذه الحساسية تظهر عندما يمكن ربط مثل هذه الظواهر بشيء يتعلق بالإسلام، وتكاد تختفي تماماً عندما لا تكون مرتبطة بمثل هذا العامل.
تقارير جمعيات حقوق الإنسان أشارت إلى أن الميليشيات الكردية تقوم بتجنيد الأطفال بشكل ممنهج منذ العام 2012، وأنّها قامت بتجنيد المئات منذ ذلك الوقت وحتى اليوم وقامت بتدريبهم وتسليحهم، وهو امر انتقدته كذلك هيومان رايتس ووتش في تقرير لها في بداية العام 2017 عندما أشارت إلى أن المنظمة لا تزال تنتهك الحظر المفروض على تجنيد الأطفال.
ويبدو أن الميليشيات الكردية انتقلت من العمل في الظل إلى العلن فيما يتعلق بتجنيد الأطفال، إذ انتشرت العديد من الصور ومقاطع الفيديو لأطفال في مدينة عفرين ينتمون إلى الميليشيات الكردية (خاصة فتيات) ويتباهون بتدريباتهم وحملهم للأسلحة الرشاشة.
4) الأسلحة الفتّاكة: الميليشيات الكرديّة تدّعي أنها مُحاربة من قبل الجميع، وهي تتاجر بهذه المظلومية منذ سنوات لإحكام سيطرتها على الأرض وإنشاء دولتها التي تطمح لها. وبالرغم من ذلك وكما كشفت معركة عفرين، فهذه الميلشيات مدجّجة بالسلاح، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، من أين تحصل هذه الميليشيات على السلاح ومن أين تحصل على التمويل؟
البعض قد يشير إلى أن الأزمة السورية المندلعة منذ سنوات سمحت لهذه الميليشيات كما لغيرها بأن تغتنم الأسلحة من المجموعات المتقاتلة، لكن الحقيقة أن الميليشيات الكردية تخوض معارك مع دول المنطقة منذ حوالي 30 سنة، ولم تتوقف الأسلحة والأموال عن التدفق إليها منذ ذلك الوقت. الجميع استخدمها كورقة، ايران استخدمت الميليشيات الكردية ضد العراق وضد تركيا، سوريا استخدمتهم ضد تركيا، كما دخل الأكراد في صراع مع بعضهم البعض لحسابات خارجية.
المفارقة هنا أنّ الميليشيات الكردية في سوريا لديها أسلحة روسية وألمانية وأمريكية، ولم نسمع يوماً أنّ أيّاً من هذه الدول اشتكى من وقوع أسلحته لدى هذه الميليشيات أو انّه تخوّف من استعمالها ضد دولة حليفه، وبالرغم من كل ما ذكرنا أعلاه، لا تجد ي من الأطراف الدولية حرجاً في الدفاع عنهم ودعمهم.