مقالات مختارة

لماذا يفقد المصريون الثقة في المستقبل؟

جمال سلطان
1300x600
1300x600

السؤال الذي تسهل إجابته الآن في مصر هو : هل يشعر الناس بالثقة في المستقبل أم يشعرون بالخوف والقلق، هل يعتقدون أن القادم أفضل أم يتوقعون أن القادم أسوأ؟ لا تخلو كلمة من كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي من التفاؤل بالمستقبل، والتأكيد أن البلد ستكون دائما عظيمة، وهناك خطط وتحضيرات وإنجازات هائلة ستغير وجه الحياة، فقط اصبروا بعض الوقت، وكلما صبرنا أكثر كانت النتائج أفضل، ومع كل هذه التأكيدات المستمرة من خمس سنوات، إلا أن الإحباط يتزايد عند الناس، والثقة بهذا المستقبل تنهار بسرعة كبيرة، وأخشى أن أقول إن إيمان الناس بالوطن ومفهوم الوطنية الجديد تراجع، وأن حلم الشباب ـ ذخيرة مستقبل أي بلد ـ أصبح أن يجد فرصة للهجرة خارج الوطن بأي شكل، وهذه أمور يسهل أن تراها وتقابلها في أي "تفصيلة" من تفاصيل حياتك في بر مصر، في أي مصلحة حكومية أو عمل خاص أو مواصلة عامة أو نادي أو شارع أو مقهى أو مطعم، هذا مناخ عام مخيف يتزايد الآن بصورة وبائية.


الناس تطابق الكلام الذي يتردد في كلمات رئيس الدولة، وبين الأداء العملي الذي يقابلونه في مؤسسات الدولة، وفي إعلامها وفي عدالتها وفي اقتصادها وفي تعليمها وفي مختلف مناحي الحياة فيها، فيجد الناس البون شاسعا بين الكلام والفعل، كيف يمكنك أن تحقق إنجازات ونهضة للوطن ومستقبل أفضل وكل ما حولك يشير إلى العبث وعشوائية الأداء وتوسيد الأمر إلى غير أهله بل أسوأ العناصر، انظر إلى الإعلام الرسمي أو الإعلام الخاص الموالي للرئيس أو الدولة، ستجد ـ في الغالب الأعم ـ أسوأ العناصر وأحطها قدرا بين الإعلاميين هم الذين يتصدرون المشهد ويحظون بالقربى والحماية والدعم والتمكين من أجهزة الدولة الرفيعة، رغم أن ما يقدمونه من خطاب سياسي وإعلامي وإنساني يعد فضيحة أمام العالم كله، ومزيجا من الجهل والغثاثة والفهلوة الرخيصة وتدني المهنية، بينما تختفي الكفاءات الرفيعة والمرموقة والموهوبة في الإعلام المصري، وهم كثيرون بالمناسبة، فمصر دائما ولادة وقادرة على صنع الكفاءات، ولكنها الآن طاردة لهذه الكفاءات، هذا الأمر يعطي الانطباع بأن هذه "الفهلوة" المؤسسة على الولاء والنفاق الرخيص هي التي تستهوي صانع القرار وأجهزته، العبيد الطائعون الذين ينفذون التعليمات مهما كانت كفاءتهم متدنية وفضائحية، فإذا كان هذا هو "وش القفص" بالنسبة للنظام، فكيف تتصور أن يثق أحد في النظام نفسه وقدرته على النهوض بالبلد، أو افتراض أنه يملك أدوات هذا النهوض والتطور.


اذهب إلى أي جامعة مصرية وانظر إلى القيادات التي تم تسكينها في المناصب العليا على مستوى الجامعة وعلى مستوى كلياتها، ستجد في الغالب الأعم أقل الأكاديميين قيمة وعطاء وعلما هم الذين يتصدرون المشهد والقيادة، بل ويمنحون سلطة قمع الكفاءات وتهميشها أو ترويعها أو إجبارها على الهجرة أو الانزواء، لأن هذا المناخ لا يمكن أن يصنع بيئة علمية أو أكاديمية محترمة تنهض بالمؤسسة التعليمية العليا، كيف يمكن لمئات الآلاف من الجامعيين، أساتذة ودكاترة ومعيدين وباحثين أن يثقوا في مستقبل هذا البلد، وهم يرون أن الصدارة للأقل كفاءة والأكثر ولاء للجهاز الأمني وتوجيهات السلطة، وكيف تتصور أن هذا القطاع التعليمي الخطير يمكن أن يخرج أجيالا من الشباب عالي الكفاءة والمؤهل للنهوض بوطنه وقادر على التضحية، وهو يرى "القدوة" أمامه هو الانتهازي والمنافق والفهلوي حتى لو كان منعدم الكفاءة.


إذهب إلى أي قطاع إداري في الدولة وتفرس قياداته، تجده من الشاكلة نفسها والمستوى نفسه  ومعايير الاختيار نفسها، وأحيانا تجد الحرص على إعادة "تدوير" نفايات الحزب الوطني المنحل، وتسكينهم في مناصب رفيعة في الدولة، وراجع ما حدث في البرلمان نفسه وهو مؤسسة التشريع وصناعة القانون الأساسية ومؤسسة الرقابة المفترض على السلطة التنفيذية، وكيف تم انتقاء غالبية قوائمه ومرشحيه، فضلا عن أن تراجع أداءه وصورته أمام العالم، لن تحتاج إلى شرح كثير لتدرك الكارثة، وتجول بفكرك أو أسئلتك في مختلف قطاعات الدولة الأخرى، ستجد أن هذه هي الظاهرة الأعم التي تصبغ النظام الحالي بصبغتها، نظام لا يبحث عن كفاءات وإنما عن خدم وسكرتارية، أيا كان تدني مستواهم أو تدني سمعتهم وبعدهم عن الشفافية.


بالمقابل، ابحث عن آلاف الأسماء من المفكرين والرموز والسياسيين الذين تباهي بهم بلاد مثل مصر، ستجدهم قد دفنوا بالحياة، لا تسمع لهم ذكرا، اختفوا، طوعا أو كرها، تنزها أو خوفا، فهم أمام مناخ مخيف ومحبط ومهين لأي شخص جاد ويريد أن يصلح شيئا في هذا البلد، فيرى أي "كريم" أن ينأى بكرامته وعزة نفسه عن الهوان والاستباحة.


العامة في مصر يعرفون مثلهم الشائع: "الجواب يبان من عنوانه"، والعنوان ما نراه ويراه الناس الآن على سطح السياسة والإعلام والقانون والثقافة والاقتصاد والأمن، لذلك يعرف الناس جواب المستقبل من هذا العنوان، ولذلك، رغم كل الخطاب الجميل والتفاؤلي المتكرر للرئيس والوعود البراقة والحالمة، تراجعت ثقة الناس بالمستقبل، والجميع يردد: ربنا يستر على البلد.

 

المصريون المصرية
1
التعليقات (1)
مصري جدا
الإثنين، 25-12-2017 03:10 م
المصريون لا يفقدون الثقة بالمستقبل ،،، لكنهم يفقدون الامل والثقة في نظام الحكم ومنظومة المعارضة والنخبة السياسية ،،، المصريون بين مطرقة نظام حكم مستبد وفاسد وفاشل ،، وسندان منظومة معارضة قديمة عتيقة لا تملك مهارات الحل ،،، انظمة الحكم اخذت فرصتها كاملة من الوقت والموارد وفشلت ومنظومة المعارضة لا تملك رؤية جامعة واقعية وممكنة حتى حين اخذت الفرصة ،،، وبالتالي من اين تاتي الثقة ،،، نحن بحاجة الى نخبة جديدة وقاطرة اصلاح جديدة لان القيادات الموجودة تجاوزها الزمن ،، القيادات من مختلف التيارات المدنية والاسلامية سواء بسواء لم تعد مناسبة وتغييرهم او اعفائهم جزء ضروري من الحل