هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا يعاني السيد أبو مازن من الحيرة أو الارتباك في الاختيار بين الاستمرار في خياره القديم وهو الاستمرار بما يسمى "بالعملية السلمية" أو عملية التسوية، برغم كل العقبات بما فيها إعلان ترامب المشؤوم بان القدس هي عاصمة الدولة اليهودية، لذا فقد أعلن المستوى الرسمي الفلسطيني أنه أعد ويعد الخطط لمواجهة ذلك بأدوات العملية السلمية نفسها دون الخروج عنها، وذلك على الرغم من خروج ترامب منها، وذلك تحت شعار عزل الإدارة الأمريكية ومقاطعتها.
يؤكد الخبراء في شأن "ابو مازن" والذي يعتبر -ورغم كل التحفظات- الممثل والمقرر شبه الوحيد للسياسة الداخلية والخارجية لمنظمة التحرير وحركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية، أنه ينطلق من مسلمة أساسية قد لا يصرح بها على الأغلب وهي أن الظروف المحلية والإقليمية والدولية قد لا تسمح للشعب الفلسطيني بتحقيق أهدافه الوطنية المشروعة، لذا فإن الحد الأدنى والضروري والممكن أيضا هو الصمود والبقاء على ارض فلسطين، لهذا فان عملية سلمية مستمرة، وان لم تؤدي إلى مصالح حقيقية للشعب الفلسطيني، وبرغم سلبياتها إلا أنها أفضل بكثير من مشروع المقاومة بكل إشكالها كما جاء في وثيقة الأسرى، وثيقة الوفاق الوطني.
يرى الكثير من المراقبين أن الموقف الفلسطيني المعلن والقاضي بمقاطعة الإدارة الأمريكية سوف يستمر لفترة معينة، قد تصل إلى كل مدة ولاية ترامب، فليس أمام أبو مازن من خيارات أخرى، مما سيؤدي وعلى الأرجح إلى انسداد معين في آفاق إعادة إحياء عملية التسوية السلمية، حيث من غير المرجح أن تتراجع الإدارة الأمريكية بالفترة القريبة القادمة -وان اضطرت-عن إعلان ترامب، وذلك على الرغم مما أشارت إليه صحيفة يديعوت احرنوت 6-12-2017 أن البيت الأبيض بحث إمكانيات تعويض الفلسطينيين من خلال التأكيد على حل الدولتين او من خلال الإشارة للقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية .
قد تستخدم السلطة برئاسة السيد ابو مازن ادوات نضالية أخرى، إضافة إلى مقاطعة الوسيط الأمريكي المنحاز، وذلك في إطار ما تسمح به العملية السلمية، ومنها تعزيز ودعم حركة مقاطعة إسرائيل الـ BDS، والتي أثبتت أن بإمكانها تدفيع إسرائيل أثمان سياسية واقتصادية ليست بالقليلة، وإعادة تجديد الجهود لقبول فلسطين كعضو كامل في الأمم المتحدة، والتوجه للمحكمة الدولية ضد ارتكاب اسرائيل جرائم حرب، إضافة الى تشجيع الاحتجاجات الشعبية السلمية للشارع الفلسطيني.
في حال استطاعت السلطة الفلسطينية وحركة فتح استثمار واستغلال ما لديها من الأدوات سالفة الذكر، بشكل جدي وحقيقي إضافة إلى تعزيز المصالحة الوطنية الفلسطينية، وتوحيد الجبهة الداخلية في مواجهة إعلان ترامب - وهو أمر يشكك فيه الكثير من المراقبين- فقد تتمكن من تشكيل ضغط مؤثر وايجابي على الإدارة الأمريكية وحكومة إسرائيل، باتجاه التراجع بصورة أو بأخرى عن إعلان ترامب كما تم التراجع بال2007 عن وعود بوش لشارون بدعمه إلغاء حق العودة.
من المفترض أن يكون تلويح السلطة الفلسطينية، أو قيامها فعلا بالتراخي أو قطع التنسيق الأمني مع الاحتلال والمرفوض لدى الغالبية الساحقة من ابناء الشعب الفلسطيني، "أداة نضالية" أساسية في مفاهيم عملية التسوية لمواجهة إعلان ترامب وممارسات الاحتلال الغاشم، ولكنه وبسبب ضعف السلطة قد تحول إلى "وثيقة تأمين"، تضمن بقاء السلطة واستمرارها في ممارسة أعمالها وقيامها بوظائفها، أي أنه ومن أجل ضمان بقاء إمكانيات قيام السلطة بكل "الخطوات النضالية" السالفة الذكر، فعليها الاستمرار بالتنسيق والتعاون الأمني مع الاحتلال، وكل هذا وفق قواعد اللعبة في عملية التسوية السلمية .
لقد أظهرت العديد من المؤشرات أن موقف أجهزة أمن السلطة الفلسطينية من الاحتجاجات الشعبية على إعلان ترامب القدس عاصمة الدولة اليهودية لم يكن كما كان حتى في حالة أحداث الاحتجاجات على قيام دولة الاحتلال بتركيب بوابات الكترونية أمام أبواب المسجد الأقصى المبارك، وهذا ما أشار اليه المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرنوت يوسي يهوشع 10-11-2017 مؤكدا أن الحفاظ على نفس المستوى من التنسيق الأمني مع السلطة إضافة إلى ضبط الجيش لنفسه وخبرته في كبح جماح الاحتجاجات للتعاون مع السلطة الفلسطينية أدى إلى بقاء هذه الاحتجاجات تحت السيطرة.
لا بد من الإشارة إلى أن نجاح إعلان ترامب المشؤوم، يتوقف على الثمن الذي سيدفعه الأمريكان والإسرائيليون نتيجة هذا الإعلان، بمعنى: مدى الأضرار التي ستقع على المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة وتحديدا مصلحة استمرار العملية السلمية وفق قواعد ترامب، وهو أمر تملك السلطة التأثير به بدرجة كبيرة، والثمن الذي سيتم دفعه نتيجة استمرار الاحتجاجات الشعبية أو المقاومة بكل أشكالها ضد الأهداف الأمريكية والإسرائيلية، وهو أمر يبدو أن السلطة شريك في محاربته، ما المحدد الثالث- فليس للسلطة تأثير بارز فيه وهو استمرار التحالفات العربية والأمريكية والإسرائيلية .
وهكذا وبرغم القيود الكبيرة التي تضعها قواعد عملية التسوية على خيارات السيد أبو مازن في مواجهة إعلان ترامب، إضافة إلى الثمن الوطني الذي تدفعه السلطة والرئيس نتيجة هذه القواعد إلا أنه بالإمكان- أن صدقت النوايا وتم العمل بشكل جدي- أن تستنفر وتستنفد السلطة الفلسطينية أدواتها سالفة الذكر لإقناع الأمريكان والإسرائيليين بان الثمن الذي سيدفعونه من استمرار نفاذ مفعول إعلان ترامب هو باهظ جدا، وبالتالي فمن الضرورة التراجع عن هذا الإعلان الضار لهم .