هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
المقصود بالنبلاء هنا ليس نبلاء أوروبا القرون السالفة والذين كانوا معروفين بالثراء وإنما أصحاب الأخلاق السامية الذين لا يعتدون على الناس، ويقدمون المساعدات ما أمكنهم، وأصحاب القوة المنطقية والعقل العلمي والتفكير السديد.
السعودية لا تهرول نحو الكيان الصهيوني، وإنما تجري بسرعة في سباق نحو أوهام. ربما تظن القيادة السعودية أن بإمكانها استئجار الكيان الصهيوني ليشن حربا بالوكالة ضد إيران.
وربما تتوهم أن هزيمة إيران وحزب الله في متناول اليد. الكيان الصهيوني ليس نظاما عربيا يضع طاقاته وإمكاناته وثرواته وأبنائه تحت تصرف المستعمرين والطامعين، وهو لا يقايض على سيادته وحريته في اتخاذ القرار حتى لو كان المزاحم الولايات المتحدة.
ومن المهم أن تسأل القيادة السعودية نفسها حول أعداد الجواسيس والعملاء العرب الذين يعملون لصالح الكيان الصهيوني ضد بلادهم وقضايا أمتهم، وعدد الصهاينة الذين يخونون كيانهم ويقدمون المعلومات للعرب.
حزب الله هو الذي تمكن من تجنيد صهاينة بأقل من عدد أصابع اليد لخدمته. أنظمة العرب وأنظمة بعض الدول النامية المتخلفة هي التي تخون أوطانها وشعوبها، وبالطبع مقابل المال وأحيانا مقابل بعض النساء وحماية أمن النظام والتستر على فضائحه، وكم تستّر الصهاينة على فضائح حكام العرب.
تتطلع السعودية إلى قيادة العالمين العربي والإسلامي دون أن ينازعها أحد. والمتتبع لوسائل إعلامها يلمس بوضوح مدى العنجهية التي يتحدث بها بعض كتابها، ويوهم إعلاميوها أنفسهم بها.
هم يرون أن أموال السعودية وفيرة بما فيه الكفاية وبالإمكان جلب التأييد والمناصرة لها ولسياساتها. وهذه رؤية لها جذورها وتجاربها من حيث أن الأموال تستقطب التأييد السياسي وأحيانا المساهمة العسكرية في بعض المغامرات الحربية.
هناك دول عربية وغير عربية أغرتها الأموال والمساعدات العينية ووجدت نفسها مؤيدة للسياسات السعودية. نماذج قطر والبحرين واليمن تشكل عناوين ساطعة لجري عدد من الدول وراء المال. يلحق باليمن دمار شديد، والناس هناك يعانون الأمرّين والضيق وضنك العيش والكوليرا، والعالم في أغلبه صامت وبالكاد نسمع أصواتا تدين ما يجري، وتجيّش ضده. حتى الدول الغربية الثرية التي تدافع عن حقوق الإنسان وفق المزاج لا تتحدث عن اليمن إلا بالنزر اليسير وذلك تحسبا لاستثمارات يمكن أن توقف السعودية تنفيذها في بلادهم.
المال يشتري النفاق والدجل والكذب، لكنه لا يمكن أن يشكل وحده مقوماً قيادياً يضع الدولة التي تملكه في مصاف أصحاب القرار العالمي أو الإقليمي. فمثلاً لم يتمكن المال من تحقيق انتصارات في سوريا والعراق، واضطر أن يتراجع مندحراً خائباً. لقد اصطفت جهات عدة من دول وتنظيمات معاً لمواجهة الضغط المالي، وفاز في النهاية البعد العسكري. المال عامل مساعد، لكنه مخادع في كثير من الأحيان.
فمن يمكن شراؤه بالمال، يمكن أن يعرض نفسه للبيع لمشتر آخر. ومن يبيع نفسه الآن بثمن معين، يتحول إلى ولاء آخر إذا كان المبلغ أكثر إغراء. ومن السياسات السيئة والفاشلة أن يعتمد أحد أو دولة على جهة لها ثمن مالي. فإن لم يكن الموقف مبدئياً راسخاً، ويقوم على بعد أخلاقي إنساني فالفائدة منه قليلة وليست بعيدة عن الزوال.
تتطلب القيادة في الساحتين العربية والإسلامية مقومات هامة ينظر العربي والمسلم نحوها. يأتي النظام السياسي القدوة في المقدمة.
هل النظام السياسي يقود الدولة نحو النهوض والإدارة الحديثة وتحقيق وحدة المجتمع وتحسين ظروف الناس وفتح الأبواب أمام الحريات والمشاركة السياسية وإبعاد أجهزة الأمن عن ظلم الناس والتحكم برقابهم أم لا؟ العربي والمسلم يسألان، وإذا كان النظام مستبداً متخلفاً ناهباً للثروات ويعتمد على أجهزة الأمن لاستمرار الحكم فإنه لا يختلف عن بقية الأنظمة ولا ميزة مميزة له.
أما الميزة الأخرى التي يتعلق بها العربي والمسلم فهي القضية الفلسطينية. تشكل القضية الفلسطينية باروميتر الانتماء العربي والإسلامي، وكل من يخل بالتزامه بها وباستعادة الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني يفقد أهليته لقيادة الأمتين العربية والإسلامية.
مصر مثلاً فقدت أهليتها القيادية بمجرد أن بدأت المحادثات العسكرية بين رئيس أركانها ورئيس أركان الصهاينة عام 1973. والأردن فقدت الكثير من مكانتها بمجرد أن وقعت معاهدة صلح مع الصهاينة، والقيادة الفلسطينية خرجت من قلوب الناس عندما اختارت الاعتراف بالكيان الصهيوني. فمن شاء أن يقود الأمة عليه أن يلتزم بقضاياها وليس مجرد التزام إعلامي وفي الأروقة والصالونات، وإنما التزام عملي بتوظيف سياسات الدولة وإمكاناتها وقدراتها نحو تحقيق الهدف.
أما المعيار القيادي الآخر فيتمثل بالتوظيف العلمي والتقني. كلما حرص النظام على التطوير العلمي من خلال تطوير البرامج التعليمية في المدارس والجامعات ومراكز البحث يصبح أكثر إقناعا لجماهير الأمة بأنه يسعى إلى خيرها. وكلما واكب التطوير العلمي تطوير تقني بحيث تتمكن الدولة من الاعتماد على نفسها في كثير من الأمور وخصوصاً الأمور العسكرية يتمكن النظام من بناء ثقة بينه وبين الناس، ويصبح الناس أكثر رغبة في التعاون وتقديم ما عندهم من قدرات لتمكين الدولة.
أهم ما يجب أن يركز عليه الحاكم من أجل أن يكون قيادة تستحق الثقة والتعاون هو المستوى الأخلاقي. لقد خسر حكام العرب ثقة الجماهير العربية لأنهم أثبتوا عدم قوة أخلاقية، وبغوا وطغوا وظلموا واستبدوا وفسدوا وأفسدوا، وجعلوا دينهم شهواتهم.
العرب بحاجة لحاكم يدير ظهر المجن، فهل حاكم السعودية قادر على ذلك؟ هل هو من النبلاء الذين يثبتون كل يوم طاقتهم الأخلاقية السامية فيتعلق الناس به؟ أثبتت قيادة حزب الله أنها قادرة.