مقالات مختارة

سيناء.. رسائل جيوسياسية مقلقة

1300x600
1300x600

تصريحات وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية، جيلا جملئيل، ألقت مزيدا من ظلال الشك حول حادثة مسجد الروضة في سيناء التي راح ضحيتها أكثر من 300 مصري يقطنون شبه جزيرة سيناء؛ فالتصريحات لا تبدو أنها مصادفة؛ ذلك أن الوزيرة الصهيونية قالت إن «أفضل مكان للفلسطينيين ليقيموا فيه دولتهم هو سيناء»؛ موحية بأن سيناء أرض مشاع بلا ملكية ولا سكان، ولا تخضع لسيادة دولة؛ فإقامة دولة فلسطينية فيها سيعالج مشاكل القطاع ومشاكل مصر في ضربة واحدة، متجاوزة سيادة الدولة المصرية وإرادة الشعب الفلسطيني للتحرر.

التصريح الخاطف للوزيرة الصهيونية أثار امتعاض السلطات المصرية وتنديد حركة حماس الفلسطينية، في حين أثار ابتهاج وسائل الإعلامية الصهيونية التي لم تخف صحافتها مظاهر التشفي والاحتفاء بما وصفته فشل مصر وأجهزتها الأمنية وعلى رأسها الجيش والمخابرات في قمع التمرد المندلع منذ سنوات في شبه جزيرة سيناء المصرية خصوصا بعد حادثة مسجد الروضة الإجرامي.

فالحادثة الإجرامية التي نفذها مرتزقة مترافقة مع ظلال ثقيلة لأزمات متراكمة خلال الأسابيع التي سبقت الهجوم في سياق إقليمي مثير للريبة يسعى لتخليق واقع جيوسياسي جديد يمتد من كردستان العراق إلى سوريا فسيناء؛ فرعاية مصر ممثلة بجهاز مخابراتها للمصالحة الفلسطينية للملمة الجهود المبعثرة وترسيخ الهوية الفلسطينية على الأرض الفلسطينية أثار الكثير من الضيق لدى القيادة الصهيونية، وهو الضيق الذي تسلل بهدوء إلى المؤسسات الأمريكية.

فحادثة الروضة الإجرامية ولأجل المصادفة ترافقت مع اجتماعات المصالحة الفلسطينية في القاهرة التي واجهت تعثرا ملحوظا بعد سلسلة من التحركات الإقليمية وعمليات التحريض المستمر لدولة الكيان الإسرائيلي على مشروع المصالحة، لتسارع المخابرات المصرية إلى تدارك حالة التعثر بتنشيط اتصالاتها بالفرقاء الفلسطينيين لاحتواء العثرات والثغرات التي ترتبت على اجتماع القاهرة؛ فالمخابرات المصرية تخوض معركة أشبه ما تكون بمعركة حياة أو موت تسابق فيه الزمن وتتخطى فيه العقبات والمعوقات.

في خضم هذه المعركة ظهر تقرير مثير للاهتمام على موقع صحيفة النيويورك تايمز التي وجدت في حادثة الروضة فرصتها لتقديم معلومات جديدة تلقي الضوء على العلاقة الأمريكية المصرية لتزيد الأمور غموضا وإثارة؛ فالصحيفة الأمريكية أشارت إلى وجود خلافات مع القيادة العسكرية المصرية حول صفقات السلاح الكبرى كشراء حاملة طائرات ودبابات، دون ذكر مباشر للصفقات الضخمة مع الجانب الروسي التي تضمنت طائرات ومفاعل نووي.

فأمريكا بحسب الصحيفة أشارت إلى تفضيل الإدارة الأمريكية، ومعها البنتاغون لاستراتيجية مختلفة تقوم على صرف المعونة الأمريكية على تدريب القوات المصرية وتجهيزها على استراتيجية مكافحة التمرد؛ الأمر الذي رفضته قيادة الجيش المصري، معتبرة أن استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب والتمرد ناجحة ولا تتطلب أي تغير وإعادة هيكلة لمؤسساتها العسكرية؛ تعديلات ستؤثر بالتأكيد على استراتيجياتها وعقيدتها العسكرية.

الأهم من ذلك كله أن الصحيفة الأمريكية كشفت عن معلومة جديدة تشير إلى استياء أمريكي من إقالة رئيس هيئة الأركان المصري «محمود حجازي»، باعتباره قريبا من المسؤولين العسكريين الأمريكان والرؤية الأمريكية؛ فهو الأقدر على التأثير على الرئيس باعتباره الأقرب إليه بحكم المصاهرة.

ملف العلاقات المصرية الأمريكية بدا مثقلا بالخلافات والشكوك المتبادلة بين الطرفين، وحادثة الروضة في سيناء جاءت كفرصة تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية من خلالها تأكيد صحة رؤيتها وتوجهاتها لتطوير الجيش المصري وتسليحه وإعادة صياغة عقيدته العسكرية، بعيدا عن التسليح الثقيل وترسانة موسكو العسكرية.

فصول الحدث المصري لا تتوقف عن كشف المزيد من الحقائق والمفارقات اذا علمنا بأن جهاز المخابرات المصري المشكل لعصب الأمن القومي المصري ومنظومة معلوماته الفكرية والسياسية، كان قد تدخل كوسيط في حادثة الواحات بعد احتدام الخلافات بين الجيش والداخلية، ولعله الطرف الذي أوصى بإقالة رئيس هيئة الأركان.

صحوة الأجهزة السيادية المصرية وعلى رأسها جهاز المخابرات تشير إلى دفاع مستميت عن البقية الباقية من الأمن القومي المصري، وهو ما ظهر جليا في ملف المصالحة الفلسطينية والملف اللبناني فيما بعد.

فمصر بدت اكثر تمردا مما عهدناه في الأعوام الثلاثة الماضية من خلال الدور الذي لعبته باحتواء أزمة استقالة الحريري، وتنسيقها المباشرة مع الرئاسة الفرنسية، بل ذهبت إلى ابعد من ذلك برغبتها باحتواء الأزمة مع ايران والدفع نحو التهدئة وكبح جماح التوجهات الإقليمية والدولية للتصعيد، والأهم قبولها المبطن لتوجهات موسكو في مؤتمر سوتشي ونزعة منصة القاهرة لتبني التوجهات ذاتها.

هل تتوقف الأمور عند حدود الملف الفلسطيني والملف السوري واللبناني بالتأكيد لا؛ فالصراع في سيناء يعد بوابة واسعة ليس فقط لحلول إقليمية كصفقة القرن مثلا بل لإعادة هيكلة الجيوش والمؤسسات والعبث بالمعادلات الداخلية، والاهم من ذلك أن سيناء تقع في بؤرة صراع دولي اخذ في التبلور والتشكل في البحر الأحمر باتت الصين طرفا فيه يمتد عميقا في القارة الأفريقية تظهر سخونته شرق القارة في تنزانيا وموزمبيق والسودان وجيبوتي وليس انتهاء بالنيجر ونيجيريا وبوركينا فاسو ومالي؛

فمكافحة الإرهاب تعد الشغل الشاغل للقوى الدولية في القارة السمراء؛ إذ سيحتل أجندة ترامب عند زيارته القارة المنكوبة بالإرهاب واللجوء والفوضى؛ فالإرهاب الذي تعاني منه القارة يعد مدخلا مناسبا لتوسيع المظلة العسكرية والاقتصادية في القارة الأفريقية.

مصر باتت تعيش نوعا من أنواع الصحوة يقف في مقدمتها جهاز المخابرات المصري للدفاع عن مصالحها وامنها القومي ودورها أيضا، بعيدا عن التبعية المطلقة للقوى الدولية والإقليمية المؤثرة؛ صحوة تواجه معيقات وتحديات امر يثير العديد من التساؤلات حول الرسائل الكامنة خلف هجوم الروضة والتي تتجاوز حدود مصر نحو الإقليم بأكمله ولكل من لديه نزعة للتمرد على الإرادة السياسية للقوى والمشاريع الانتهازية التي يقف للكيان الإسرائيلي على رأسها؛ أمر يجعل الكيان يقف في بؤرة التحليل للحدث السيناوي الدموي، مبقيا باب التساؤلات مفتوحا لمغزى حادثة الروضة ودوافعها الحقيقية والرسائل والأسئلة المرتبطة بها.

السبيل الأردنية

0
التعليقات (0)