هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثارت صور بيع عدد من المهاجرين الأفارقة كعبيد في ليبيا ضجة دولية كبيرة،
ولقيت تنديدا واسعا، وأقدمت دول إفريقية عديدة على استدعاء سفرائها لدى ليبيا؛ احتجاجا
على استرقاق مواطنيها، وهدّدت فرنسا بعرض الملف على مجلس الأمن الدولي...
من الناحية المبدئية، فقد قامت هذه البلدان بالصواب وهي تتصدى لهذه الجريمة؛
فليس معقولا ونحن في القرن الواحد والعشرين، أن يعود عهد العبودية وسلب الناس حريتهم
بعد عقود طويلة من التحريم العالمي الصارم للرق، وما حدث في ليبيا مؤخرا من بيع مهاجرين
أفارقة بـ400 دولار للرأس، هو فضيحة مدوّية، ويجب أن يُقضى عليها بسرعة ويُقدَّم المتورطون
إلى العدالة لمعاقبتهم بما يستحقون، فهؤلاء المهرِّبون لا يختلفون في شيء عن
"داعش" الذي أمعن في استرقاق النساء والأطفال والرجال وقد ولدتهم أمهاتُهم
أحرارا، فأساء بذلك إلى الإسلام إساءة بليغة لا تمحوها الأيام بسهولة.
لكن هذه الضجة العالمية وتحميل "الحكومة" الليبية وحدها المسؤولية،
يعني أن الغرب يتملّص من أي مسؤولية فيما يحدث في ليبيا الآن، مع أن الناتو –بتحريض
من فرنسا التي تتحدّث الآن عن جريمة الاسترقاق- هو الذي تدخّل في ليبيا سنة 2011 ودمّر
جيشها وحوّلها إلى دولة فاشلة ترتع فيها المليشيات المتناحرة وعصابات الإجرام التي
أضحت الآن تهرّب البشر وتتاجر بالأحرار في سوق النخاسة.
من جانب آخر، لا يُبدي الغرب القلق نفسه إزاء جريمة أخرى ضد الإنسانية
تقع بميانمار منذ ثلاثة أشهر كاملة، وهي لا تقلّ فظاعة عن جريمة استرقاق الأحرار بليبيا؛
إذ يتعرّض نحو مليون مسلم من أقلية الروتينيات بهذا البلد البوذي منذ 25 أوت الماضي،
إلى مذابح مروِّعة، وعمليات اغتصاب جماعي للمسلمات، وتهجير قسري واسع النطاق للسكان
باتجاه بنغلاديش، ويقوم الجيشُ البورمي والمليشيات البوذية المتعصّبة بإحراق قراهم
لمنعهم من العودة، وقد هُجّر منهم إلى حدّ الساعة نحو 825 ألف روهينغي، أغلبهم نساء
وأطفال، إلى بنغلاديش حيث يكابدون ظروفا قاسية.. ومع ذلك لا تزال الإدانات الدولية
محتشمة ولم يتجند العالم ضدها كما يتجند الآن ضد عودة العبودية من بوابة ليبيا، مع
أن العالم نفسه يعترف بأن التهجير الجماعي في بورما هو جريمة ضد الإنسانية وتطهير عرقي
وتمييز عنصري ينبغي وضع حد له.
إلى حدّ الساعة، لم نسمع من يتحدث عن ضرورة عودة الروتينيات إلى بلدهم،
وإلزام الحكومة بإعادة بناء قراهم، وتعويضهم عن بيوتهم المحروقة وأملاكهم المنهوبة،
وتوطينهم، ومنحهم كامل حقوقهم من جنسية ووثائق وتعليم وصحَّة ومناصب شغل وحتى عقود
زواج من دون حاجة إلى "ترخيص" من حكومة ميانمار العنصرية!
لم نسمع أيضا بمن يتحدث عن ضرورة القبض على كبار المجرمين في جيش بورما
وسوقِهم إلى محكمة العدل الدولية لمحاكمتهم على جرائمهم بحق الإنسانية، ولا يزال هؤلاء
أحرارا طلقاء يتربصون الدوائر بمن تبقى من الروهينغيين في راخين لتهجريهم و"تطهير"
الإقليم من الوجود الإسلامي هناك..
هي صورة بسيطة لنفاق هذا العالم الذي لا يزال يصرّ على الكيل بمكيالين
ويتحدّث بعدها عن العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان.
الشروق الجزائرية