مصر ترعى اتفاقية سلام بجنوب السودان وعينها على سد النهضة
القاهرة- عربي21- تامر علي21-Nov-1705:47 AM
0
شارك
نهر النيل- ا ف ب
استضافت القاهرة عدة اجتماعات خلال الفترة من يوم 13 إلى 16 تشرين الثاني/ نوفمبر بين قيادات فصيلين متناحرين من الحركة الشعبية لتحرير السودان، الأول حكومي والثاني معارض، إلى أن تم التوقيع على وثيقة "إعلان القاهرة" لتوحيد الحركة وإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد.
وبحسب بيان لرئاسة الجمهورية المصرية، فإن توقيع وثيقة "إعلان القاهرة" يعد خطوة هامة على طريق دعم السلام، وتوفير الأجواء المناسبة لعودة النازحين إلى مناطقهم، ودعم الاستقرار في المنطقة؛ سعيا إلى وقف الحرب الأهلية، مضيفا أن الأطراف المعنية اتفقت على تولي المخابرات العامة المصرية مهمة التنسيق ومتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
وأثارت هذه الخطوة تساؤلات حول أسباب الانخراط المصري المتنامي في جنوب السودان، والارتباط بين هذه الخطوة وبين أزمة سد النهضة الإثيوبي، خاصة أن توقيع الوثيقة الأخيرة تزامن مع إعلان الحكومة المصرية فشل المفاوضات مع إثيوبيا حول السد، وتزايد المخاوف في القاهرة من تأثيره على حصة مصر من مياه النيل.
كذلك فإن تولي جهاز المخابرات العامة هذا الملف، واستضافة مراسم توقيع الوثيقة في مقر الجهاز بالقاهرة، أثار تساؤلات إضافية حول أسباب قيام المخابرات بهذا الدور بدلا من وزارة الداخلية.
دعم استراتيجي
وتقدم مصر دعما إستراتيجيا لجنوب السودان على مختلف المستويات منذ إعلان تلك الدولة الوليدة استقلالها عن السودان عام 2011، حيث بادرت القاهرة بإرسال أكبر قوة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة هناك، كما تولت تنفيذ مشروعات تنموية في مجالات التعليم والصحة والمياه والبنية التحتية، فضلا عن التدخل في ملفات أمنية وعسكرية.
يشار إلى أن الفصيلين المتناحرين من الحركة الشعبية لتحرير السودان، فصيل الرئيس سلفاكير وفصيل نائبه السابق رياك مشار، كانا قد وقعا اتفاقية مماثلة في عام 2015 بمدينة أروشا التنزانية بحضور عدد من القادة الأفارقة، إلا أنها فشلت في وقف الصراع المسلح بين الفصيلين المتنازعين على السلطة.
وكان الأزمة قد اندلعت في تموز/ يوليو 2013، حينما أقال الرئيس سلفا كير ميارديت نائبه رياك مشار، واتهمه بمحاولة تنفيذ انقلاب عسكري عليه، وفي كانون الثاني/ ديسمبر 2013، اندلعت اشتباكات مسلحة بين قوات موالية للزعيمين، أسفرت عن مصرع ونزوح الآلاف من قراهم؛ هربا من الانتهاكات والاعتداءات التي ارتكبها الجانبان.
وفي شباط/ فبراير الماضي، اتهم فصيل "ريك مشار" مصر بالتورط في الصراع؛ عبر دعم قوات الرئيس "سلفا كير"، وإمداده بالأسلحة والذخائر؛ لشن حرب واسعة ضد معارضيه، وهو ما نفته القاهرة حينئذ.
خطوة استباقية
وتعليقا على هذه الخطوة، قال الباحث السياسي جمال مرعي إن النظام المصري يبحث عن دور مؤثر في القارة الأفريقية يسهم في حماية الأمن القومي المصري، مشيرا إلى أن السيسي منذ توليه السلطة يحاول أن يعيد العلاقات القوية مع الأفارقة.
وأضاف مرعي، في تصريحات لـ"عربي21"، أن وجود علاقات قوية مع جنوب السودان هو خطوة استباقية لأي تصعيد قد تضطر مصر لاتخاذه ضد إثيوبيا بعد فشل المفاوضات حول سد النهضة، موضحا أنه في ظل تزايد احتمالات التدخل العسكري المصري ضد "أديس أبابا" لمنعها من استكمال تشييد السد، فإن مصر لا يمكنها تنفيذ تلك الضربة إلا إذا انطلقت من دولة مجاورة لإثيوبيا تتمتع بعلاقات قوية مع القاهرة، وتسمح لها باستخدام أراضيها ومجالها الجوي.
وأكد أنه من المحتمل أيضا أن تكون هذه الاتفاقية والتدخل المصري المتزايد في ملف جنوب السودان رسالة موجهة لحكومة شمال السودان، التي تشهد علاقاتها بالقاهرة توترا واضحا في الفترة الأخيرة، لتؤكد أن مصر ما زالت قوية وقادرة على الضغط على من يختلفون معها، والتعاون مع من يحققون لها مصالحها السياسية.
وحول تولي المخابرات هذا الملف وليس وزارة الخارجية، أكد جمال مرعي أن هذه المسائل بالغة الحساسية، وتمس الأمن القومي للبلاد بصورة مباشرة، وليس من الطبيعي أن تديرها الخارجية، ولذلك فإن جهاز المخابرات العامة هو من يتولاها، لافتا إلى أن كثيرا من دول العالم تسند مثل تلك الملفات لأجهزة المخابرات الخاصة لإدارتها.
المخابرات دخلت على الخط
من جانبه، قال الباحث المتخصص في الشأن الأفريقي، محمد شوقي، إن هذه الاتفاقية تعد انتصارا للإدارة المصرية في إدارة الملف الأفريقي، مؤكدا أن الهدف الأساسي من هذا الاتفاق هو منع إثيوبيا من استكمال تشييد سد النهضة.
وأضاف شوقي لـ"عربي21"، أن أديس أبابا ما زالت تصر على موقفها، والحكومة المصرية فشلت فشلا ذريعا في إدارة هذه الأزمة منذ بدايتها؛ لذلك قررت المخابرات التدخل، في محاولة أخيرة لحل الأزمة.
وأكد أن وجود علاقات قوية بين مصر وجنوب السودان هي بمنزلة ضرب عصفورين بحجر واحد، موضحا أنها توصل رسالة لحكومة شمال السودان بأن دولة الجنوب تقف في صف واحد مع مصر، كما أن إقامة تحالف إستراتيجي بين مصر وجنوب السودان المجاورة لإثيوبيا يشكل ضغطا سياسيا وعسكريا على "أديس أبابا".