هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قيادة أمريكا وروسيا تتحرك دوما في اتجاه احتواء الأزمات التي يمكن أن تهدد الأمن الكوني، بمعنى الذي يمس الأمن الأمريكي والروسي بشكل مباشر.. ويتوسع المفهوم الثنائي إلى تفاهمات عميقة بين البلدين حول قضايا العالم، الذي أصبح جميعه ساحة نهب للإمبرياليين بشتى عناوينهم.. وهنا لابد من استحضار بقية النمور المتوحشة التي تتوق إلى مزيد من النهب والاستحواذ.
وهنا ينبغي الانتباه دوما إلى طبيعة التفكير الثنائي الأمريكي الروسي الذي شكل منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية إحدى أهم ضمانات الترتيبات السياسية للعالم بدءا بقيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين مرورا باحتلال أمريكا للعراق وأفغانستان.. وصولا إلى تفاهمات تفصيلية حول الأوضاع المختلة في الوطن العربي.
وفي السياق لا يمكن تصور أي تطور سياسي على الأرض في القضايا محل الاشتباك الآن في المشرق العربي بالذات بعيدا عن التفاهمات العميقة بين القيادتين والمؤسستين الأمنيتين.. ولعل دعوة رئيس وزراء العدو الصهيوني إلى موسكو قبيل التدخل الروسي في سوريا كان واضح الدلالة أنه ليس فقط تأكيدا لفظيا بأن النتائج لن تكون سلبية على الكيان الصهيوني.. بل جرت تفاهمات عميقة مع المؤسسة الأمنية الصهيونية لتوفير كل الشروط الأمنية لها للتأكد من أن الأمور لن تسير نحو إحداث خلل توازن استراتيجي بينها وسورية.
تدرك أمريكا حجم المصالح الروسية في المنطقة ولكنها تدرك أيضا أنها لا يمكن تسليم مواقعها واحدا تلو الآخر لتحتله روسيا آو أصدقاؤها، لذا فإنها تسير على منهج توريط روسيا وحلفائها لإشغال مؤسساتهم في نزف كبير وعند انتهاء الصراع تكون حاضرة بشروطها وصيغته النهائية.
هذه قاعدة فهم أساسية لتناول قضايانا وفهم حجم تحالفاتنا وإلى أي الحدود تقف عاجزة أن تخترقها لمصالح استراتيجية أخرى؛ فالعلاقات الدولية لا تخضع لرغباتنا إنما لمصالح استراتيجية للأطراف ونحن لا نمتلك أن نغير طبيعة الإدارة الأمريكية الاستعمارية ولا مطامع روسيا، إنما نملك بعد الفهم أن نبحث لنا عن ضمانات لمصالحنا الأساسية التي تحفظ لنا السيادة والاستقلال.
ومن هنا تبرز أهمية التكامل العربي والتضامن بين أقطاره.. لتحقيق الحدود الدنيا من الاكتفاء الذاتي، ولحسن حظ الأمة أنها تمتلك كل المواد الأساسية التي هي عماد لعملية التكامل والتجارة البينية.. وفي هذا كله نرى بصيصا لتعامل عربي مع قضيتهم المركزية تعاملا واعيا راشدا يرفع عنها الضغط ويجنبها شطحات المغامرين الذين يريدون لها أن تكون ورقة بيد السيد الأمريكي يتعامل معها على أنها صفقة أو مبادرة مقابل حماية عروشهم أو أن تكون رهينة بمزاج الدول الغربية..
القضية الفلسطينية هي الفاحص الحقيقي لعدم جدوى التفاهمات الغربية الروسية العالمية بخصوص الملف الفلسطيني.. فالجميع منهمك بتفاهمات خاصة به ضمن هيمنة أمريكا ومشاركة روسيا..
لن يكون مفيدا لأي طرف عربي أن يذهب منفردا للتعامل مع روسيا أو أمريكا أو الغرب، فإن استفرادهم بالأقطار العربية قُطرا قطرا ينتهي بها إلى حيث نرى.. فالتكامل والوحدة هي السبيل الوحيد لحماية أقطارنا، ومعالجة قضيتنا المركزية فلسطين.. تولانا الله برحمته.
الشروق الجزائرية