لم نعرف حتى الآن الحصيلة النهائية لشهداء "الواحات".. ولا ندري ما إذا كان سيتوقف عند آخر رقم 53 شهيدا، فالسلطات تدرجت في الإعلان عن الأرقام، بدأت عصر أمس الأول 20/10/2017، بأربعة شهداء، ثم توالت بعدها إلى أن بلغ -حتى كتابة المقال- هذا الرقم المروع!.
المشكلة لا زالت قائمة: لا أحد بوسعه أن يعرف شيئا!.. نكتفي فقط -في كل مرة- بتلقي الأرقام، ونشر التعازي، وتقوم الحكومة مشكورة بإجراءات الدفن.. وتأمر إعلامها بنصب سرادقات "البكش الليلي" وإحياء حفلات "لعن" الإرهاب وتخدير الرأي العام، والنضال من أجل إقناعه -مع كل عملية إرهابية- بأنها دلالة على يأس الإرهابيين وانتصار الدولة على الإرهاب، بذات الطريقة التي جعلوا فيها من هزيمة مشيرة خطاب "نصرا مؤزرا".. و"ملحمة تاريخية" خاضتها مصر في اليونسكو!!.
اللافت هذه المرة رغم فداحة الخسائر، واستشهاد ما يقرب من 25 ضابطا من قوات النخبة، ناهيك عن عشرات المجندين، فإن الفضائيات التي تحظى بتدليل وتدليع السلطة، ظلت متجاهلة هذا المصاب الوطني الجلل.. وبعضها قدم وصلات فرفشة وغناء ورقص، وأخرى شغلت الدنيا بزواج سمية الخشاب من مغنّ شعبي درجة ثانية!!
أعيد وأكرر -هنا- أن المشكلة لا زالت قائمة.. يسقط يوميا الشهداء، و"يتمخطر" الإرهابيون في العريش ويسرقون الملايين من البنك الأهلي، وبعدها بأيام قليلة، يصدم الرأي العام، بما حدث في الواحات، والذي يبدو أنه كان عملية كبيرة، أكبر بكثير مما نقل رسميا بوصفها مأمورية "عادية" لمهاجمة وكر إرهابي.. ولا أحد يعرف شيئا عن التفاصيل.. ولم نسمع أن المؤسسات الدستورية التي تراقب وتحاسب السلطة التنفيذية، ارتعش لها جفن، واستدعت القيادات لاستجوابها وسؤالها، أمام الرأي العام!.
أعرف أنه من حق الدولة أن تحتفظ لنفسها ببعض السرية، ولكن عندما يتحول هذا الحق إلى أداة للتستر والهروب من المسئولية، فإنه لا تثريب على الرأي العام، حال وقف متشككا في كل ما يصدر عن الدولة من بيانات رسمية بشأن أدائها في مواجهة الإرهاب، وما يترتب على ذلك من زعزعة ثقة المجتمع في قياداته وفي أهليتها لتخطى أسوأ تحد واختبار وجودي، فرض علينا ولأول مرة أصعب الأسئلة وأسوأها بشأن المستقبل.
لا يمكن بحال قبول وضع ما قبل "الواحات"، ليبقى سُنة متبعة في التعاطي مع حربنا على الإرهاب.. فما بعده مرحلة جديدة وخطيرة، ولا يجوز وطنيا ولا إنسانيا ولا أخلاقيا، أن نظل مطأطئ الرأس تحت أقدام هذه "التعمية" والتضليل الممنهج.. فمصر في محنة كبيرة، ومن صنعها عليه أن يعالجها، والروشتة موجودة والخبرات متوفرة.. الفاصل في هذا كله، هو وجود إرادة سياسية شجاعة تعترف أولا بالفشل أو بالتقصير.. وبدون ذلك، ستستقبل المشرحة كل يوم المزيد من جثامين الشهداء.. وسنبقى كشعب مثل "كائنات" معامل التجارب.. يا صابت يا رحنا كلنا في "ستنين داهية"!.
المصريون المصرية