ليس حادثا عرضيا أو حدثا عابرا لا سياق له في الولايات المتحدة الأمريكية فحادثة اطلاق النار التي أودت بحياة 50 أمريكا على يد رجل ابيض له من العمر 64 عاما جاءت في سياق أمريكي داخلي محتقن؛ ففي خلفية هذه العنف تقبع الانتخابات الرئاسية الأمريكية كعامل لا زال إشكاليا في الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ كشف موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي عن عدد من الصفحات المزورة لعملاء روس انخرطوا في الحملات الانتخابية للرئاسة الأمريكية مشعلا حربا كلامية بين مالك الموقع زوكربيرغ وبين ترامب؛ ليتبعه موقع تويتر بنشر المزيد من التغريدات لحسابات وهمية تتبع نشطاء روس لم تحدد الجهة المشرفة عليهم.
من جهة أخرى فإن الحادثة المؤسفة والمدانة تبعت الجدل الكبير الذي انخرط فيه الرئيس بعد رفض عدد من لاعبي كرة القدم الأمريكية الوقوف أمام النشيد الوطني والذي اشعل حربا كلامية؛ مخلقة مناخا محتقنا في أمريكا فانتقادات ترامب التي تضمنت شتيمة من العيار الثقيل لعدد من اللاعبين وأمهاتهم ودعوته لطردهم من الفرق الرياضية المتعاقدين معها دفع مزيدا من اللاعبين ومالكي الفرق الرياضية إلى الانخراط في الجدل والمعركة؛ موسعا من مساحة المعركة التي باتت مرتبطة بسلوك أخذ بالتفشي في الملاعب الأمريكية تمثل بركوع اللاعبين بدل وقوفهم ورفض آخرين لذلك في حين رفض لاعبي Warriors المحاربين لقاء ترامب في البيت الأبيض تضامنا مع زميلهم الذي اعلن عن عدم رغبته المشاركة باللقاء؛ ليتبعه ترامب بسحب الدعوى الموجهة إلى الفريق الرياضي.
بعد أيام من هذا الجدل الواسع وقعت حادثة أدت إلى مقتل امرأة ضحية لإطلاق نار داخل كنيسة في ولاية مينسوتا الأمريكية في حين وصف الرجل بأنه من أصول أفريقية؛ ليتوج الأمر بحادثة لاس فيغاس التي سقط فيها 50 من الضحايا واكثر من 200 من الجرحى على يد مواطن أمريكي.
السياق يبدو في الظاهر ضبابيا، إلا أن النزعة للعنف واستهداف الجموع بات سمة آخذة في الاتساع في الولايات المتحدة في حين أن الغموض في تفسير هذه الظواهر الإجرامية والمحرجة لازال سيد الموقف فالتفسيرات الغامضة تودي إلى مزيد من الفوضى في أمريكا والعنف المتبادل بين أفراد المجتمع الأمريكي؛ كما أن لها تبعات سياسية بتقاذف الاتهامات بين أجنحة التيارات السياسية المتصارعة في أمريكا.
أمريكا ليست في افضل حالاتها فحادثة لاس فيغاس لا يمكن تفسيرها بمجرد تحميل المسؤولية لرجل اخرق يمارس العنف ويعبر عن إحباطاته أو لظاهرة انتشار السلاح في أمريكا وحدها وهي التفسيرات البسيطة في أمريكا لهذه الحوادث الكبيرة؛ فالتبرير لم يعد مقنعا بالمطلق لجموع الأمريكان والمراقبين من خارج الولايات المتحدة الأمريكية؛ فالجدل حول الحادثة سيزيد من سخونة المشهد والتوتر داخل الولايات المتحدة الأمريكية مخلقا دائرة مفرغة يصعب الخروج منها؛ فالصراع بين إدارة البيت البيض والخصوم ستزداد قوة والاتهامات المتبادلة ستصبح اكثر وضوحا بين الأطراف المتنافسة في أمريكا فحادثة لاس فيغاس ليست عادية لا من حيث التوقيت والسياق أو عدد الضحايا أو المنخرطين والمتورطين فيها من أبناء الشعب الأمريكي؛ فالحادثة ستعمق الانقسامات السياسية وتزيد من حدة الاحتقان فضلا عن تداعياتها على السياسة الخارجية مستقبلا.