كان التنازل عن تيران وصنافير اختباراً لكل أفكار الدولة الوطنية بحدودها ومؤسساتها ومقوماتها وهو اختبار فشلت فيه الفكرة تماماً ووقفت عاجزة عن الفعل أمام واقع متدهور حسب أماكن خطواته جيداً وخطط لتفريغ ردود الأفعال, وكان الأمر أشبه بالمباراة يمكننا القول بلا مبالغة أن العسكر فازوا فيها بجدارة.
المشكلة هي أن الأفكار الوطنية أصابتها الشيخوخة ولم تعد قادرة على الدفاع عن نفسها في مواجهة اختبارات تستهدف (دون قصد) أسسها الفكرية. وهي حالة تشبه كثيراً ما حدث بعد هزيمة 1967 حين انهارت فكرة القومية العربية في حياة مؤسسها عبد الناصر. فالأيديولوجية التي نادت بوطن واحد من المحيط إلى الخليج تجمعه القومية, انهارت فجأة أمام اختبار استهدف وجودها نفسه, فهي لم تفشل فحسب في تحقيق هدفها, بل فشلت الدول التي ترفع رايات القومية حتى في الحفاظ على أرضها ذاتها. وفقدت مصر وسوريا مساحات من أرضها.
وربما كانت حالة الجمود التي تشوب الوضع السياسي في بعض البلاد العربية كمصر, راجعة إلى أن الجماهير ترى انهيار كل ما نشأت عليه. تغيرات كبرى تحتاج الجماهير إلى وقت لاستيعابها وتفتقر إلى مرونة التعامل معها.
لم يكن بمقدور أحد منذ 100 سنة أن يصدق أن القومية العربية والتي بدت وقتها هي الأيديولوجية الوحيدة أمام النخب السياسية, سوف تسقط خلال أقل من نصف قرن وتتهاوى. ولا اعتقد أن خيال أكثرهم جموحاً كان يتصور وقت صدور قرار إلغاء الخلافة, أن يقف رئيس تركي أمام الجموع ليتلو آيات القرآن الكريم باللغة العربية في قلب إسطنبول.
في مقال سابق لي كتبت عن ألغام سايكس بيكو (1) المؤجلة والتي تركها الاحتلال خلفه عمداً. مشاكل لم تُحل وقتها تُركت لتظل كامنة فترة من الوقت ثم تعمل بعدها في مواعيد مبرمجة لتنسف بنيان المنطقة.
ورغم اضمحلال بريق فكرة القومية إلا أن الأكراد لم يلحقوا بركب القومية بعد إلغاء الخلافة, كالعرب والأتراك الذين ذاقوا وبال أمرهم تحت راية تلك الأيديولوجية, فها هم الأكراد يجربون حظهم للمرة الأولى منذ 100 عام, ويسيرون بخطى حثيثة مسيرتهم نحو ما يظنونه استقلالا, وهي خطوات أثبتت تجربة أخوتهم العرب والأتراك من قبل, فشلها.
وتنبع خطورة استفتاء الأكراد من الواقع السكاني الكردي, فالأكراد يعيشون فوق أراضي 4 دول. وقد سمحت الظروف المعقدة التي تمر بها الثورة السورية لبعض فصائلهم بالنمو على أراضي سوريا دون رقيب. وسيعني ظهور الدولة الكردية تغييرا في بنية 4 دول هي تركيا والعراق وسوريا وايران وهو ما يعني تقسيم سايكس بيكو (1) وتفتيتها والبدء في تنفيذ سايكس بيكو (2) والتي ستظهر فيها دول اصغر في كل من سوريا والعراق إلى جانب كردستان.
ثم هناك التغيرات الأخرى التي سوف تلحق بالدول المتاخمة للدول الأربعة التي يعيش الأكراد على أراضيها.
أي أن المنطقة مقدمة على تغيرات سريعة في بنيتها يصعب على البعض استيعابها وهضمها في ظل وجود حالة من عسر الهضم السياسي لدى نخب من معتنقي الأيديولوجية الوطنية القديمة التي لم تعد صالحة للتعامل مع متغيرات حالة من الغليان السياسي والجيوسياسي تبدو شبيهة بحمم البراكين التي سوف تجتاح في طريقها البنية القديمة للمنطقة بكل أيديولوجياتها.
3
شارك
التعليقات (3)
حكيم كيمو
الأحد، 01-10-201701:51 م
بوريكتى يا اختاه انا من متتبعين لكل ماتكتوبين ...شكرا واصلى
جودت منصور
الأحد، 01-10-201709:11 ص
في هذا الزمن الذي تقوقعت فيه الأرض وأصحابها وتحددت حدودها ووضعت أبوابها ماذا تريدين من قوم لهم بلاد الكرد التي تمزقت بين بلاد الفرس والعرب ؟ ما هي الموانع التي ترينها من طلب الأكراد بتوحيد بلادهم وبروز هويتهم السنية في هذا الواقع المفروض دوليا؟
Yunis Said
السبت، 30-09-201707:10 م
الاخت ايات السلام عليكم ، انا أحد متابعي صفحتك و من المعجبين جدا بكتاباتك ، احب ان اضيف شيءا الى مقالك بخصوص الأكراد الذين هم من الأمم المسلمة التي ظلمت طوال القرن الماضي ظلما شديدا لم يلحق بأحد رغم ما لحق بالبوسنة و فلسطين و روهينغيا حيث مجموع ضحايا هذه الدول في تسلط اليهود والنصارى عليهم لربما يعادل او يساوي ضحايا يوم واحد في كردستان خلال عهد صدام و من قبله عبدالسلام عارف و اليوم تلوح لنا تهديدات الميليشيات الشيعية التي تعمل لإيران على كردستان بعد أن أطبقت فكي كماشتها على باقي العراق كله و لم يبق أمام رئيسها مسعود البارزاني سوى التوجه إلى الاستفتاء ليتوجه بعد ذلك لإعلان دولة كردستان العراق ولكن ما حدث هو أن الغرب و الشرق انساقت هذه المرة ضد خطوة الاستقلال و كأن العالم كله يعادي الكورد و دولتهم علما أن هذه المنطقة هي الأولى في محاربة كلاب داعش و من أشدهم ضراوة ولكن لا حياة لمن تنادي إذ العالم محكوم بعصابات إجرامية في غربها و شرقها أمة تعدادهم يربو على الخمسين مليون و ليس لهم دولة و في سوريا لايملكون هوية المواطنة حيث يملكون ورقة مؤقته مسجلين فيها تحت اسم (اجنبي من الحسكة) او مناطق أخرى و هم الشعب الذي انجب العلماء الافذاذ و النوابغ و الأبطال لا يعترفون بحقهم في دولة و يسمحون لبهاءم من الإعراب لتأسيس دولة مثل البحرين ... لا يتجاوز تعدادهم الآلاف و جعلوا من رئيس عصابتها ملكا أو دولة مثل الاردن التي لاتتميز الا بصفة دراكولا مصاص دماء الشعوب العربية المنكوبة مثل الفلسطينيين والعراقيين و السوريين و الصوماليين لتستغل لجوءهم إليها أبشع استغلال مع حبي و تقديري للبحارنة والأردنيين و لكن أقولها للتندر لعل ذلك بسبب ماعرف عن الأكراد حبهم لدينهم و عدم استسلامهم كما فعلت الغالبية العظمى من العرب الذين هم أول من وقف بوجه خلافة إسلامية عادلة لتسليم أوطانهم للانكليز و غيرهم كما فعل ال سعود وال شريف خادم مكماهون بل وقف الشيخ محمود الحفيد رحمة الله عليه بوجه الإنكليز و هو ملك على كوردستان ليمنع دخولهم وأعلن بوجههم الجهاد والله لو كان لاي احد من هؤلاء الاقزام الذين يحكمون المسلمين في بلاد العرب عشر ما كان عند الشيخ محمود الحفيد لاشتغلوا رقاصين عند المحتل طول العمر هم و اهلوهم اجمعين.