من غير المعقول أن تستمر الأزمة الخليجية بشكل متصاعد، في وقت يتعرض فيه النظام العربي برمته إلى عواصف سياسية لا يستفيد منها إلا من يناصبون العرب العداء، فمجمل ما يجري على الساحة الإقليمية يبرهن للقاصي والداني بأن الدول الكبرى في الإقليم -وهنا أتحدث عن المملكة العربية السعودية تحديدا- تظهر عجزا في الحفاظ على تماسك العرب خلف موقف موحد متوافق عليه وليس موقفا مفروضا، إذ لا يمكن إخضاع السياسة الخارجية للدول العربية وفقا لأولويات الرياض.
فصافي خسائر السعودية في اليمن وسوريا لصالح إيران يجعل الواحد منا يصاب بالدهشة، فكيف يعود الاستمرار بالأزمة مع قطر بالفائدة على هذه الدول؟ لو كان التصعيد ضد قطر يفضي إلى كبح جماح إيران في العراق وسوريا واليمن لتفهمنا هذا الموقف باعتباره جزءا من استراتيجية محكمة! ولو كانت الأزمة ضرورة لزيادة قوة وتأثير هذه الدول لتفهمنا أيضا! غير أن البؤس والإفلاس عند هذه الدول لا يمكن تعليقه على قطر.
فقطر ليست سببا لإخفاقات الدول الأخرى، ولو توارت قطر عن الأنظار فهل كان هذا سيعني انتصارا سعوديا مؤزرا، الانفصام والتناقض في خطاب دول الحصار بات واضحا ولا يمكن إخفاؤه خلف سحابات الدخان الكثيف التي تأتي بعد كل تصريح هنا أو هناك.
لا فائدة من تذكير المراقبين بأنه لا يمكن كسر إرادة قطر بحصار جائر، وربما قررت الدوحة الانتصار لسيادتها وليس المضي في موقف معاند كما يحاول خصومها الادعاء، فالمسألة بالنسبة إلى صناع القرار في الدوحة ليست قضية الاستجابة لشروط الرباعية من عدمها وإنما الانتصار لكرامة الشعب القطري وسيادة البلد ومهما غلا الثمن. وربما -وهنا لا أتحدث عن معلومة- لا يرى صناع القرار في قطر بأن سياسة بلادهم فوق النقد والاختلاف، فهذا أمر بديهي، ولكن إدارة المواقف المختلفة لا يأتي بهذه الطريقة البدائية، والأولى أن يتم حصار دول تحتل أراضي عربية، فإيران تستبيح أراضي عربية في أكثر من بلد عربي، ناهيك عن آخر احتلال كولنيالي في فلسطين، وهو احتلال بات البعض يراه مقبولا لتشييد تحالفات إقليمية.
أرى بأن الرباعية تسلقت شجرة عالية، وهي بحاجة إلى سلم للنزول عنه، وعندما هاتف أمير قطر ولي عهد السعودية كان يمكن أن يكون ذلك بمثابة السلم الذي يحفظ كرامة الجميع، غير أن تعنت الرياض ومحاولتها تغيير حتى فحوى مكالمة هاتفية نعرف سياقها وتوقيتها بدد فرصة كان من الممكن أن تقود إلى ديناميكية مختلفة. الحكمة تقتضي بأن يتحين صانع القرار الفرصة لوضع حد لخسائره أو وضع حد للاستمرار في أزمة مفتعلة فقدت سحرها وانقلب السحر فيها على الساحر.
مشكلة دول الحصار أنها تقف في الجانب الخاطئ في التاريخ؛ فبالنسبة إلينا -نحن العرب- نعتز بعروبتنا، وننتصر لقضاياها، بصرف النظر عمن يقودها، لا نتفهم هذه المحاولات البائسة لتحقيق "نصر" على دولة عربية لم تكن في يوم من الأيام إلا في الخندق العربي. ما زلنا نأمل أن الحكمة غير غائبة، وأن ما نراه ما هو إلا سحابة صيف ما تلبث أن تنقشع، فلا أحد منا يريد لطرف عربي الخسارة، وفي الوقت ذاته لا نتفهم استقواء بعضنا على بعض.