سأبدأ مقالي لهذا الأسبوع باعتذار لشخص لا يستحق الاعتذار، وتقديم التهاني لشخص آخر أيضا لا يستحق التهاني، ورئيس عربي أسقط في خطابه في الأمم المتحدة، أي إشارة إلى الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
الشخص الأول، وهو المرشح الأوفر حظا في عصر الانحطاط العربي في نيل لقب «محبوب الخليج» في نسخته السياسية. وهل هناك من هو أحب إلى قلوبهم من نتنياهو اليميني العنصري المتطرف الكاره للعرب. أما الشخص الثاني فهو ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، أحد الزعماء العرب الرواد اللاهثين وراء ود اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة، لنيل رضاها، ومن ورائها دولة الاحتلال إسرائيل، والبيت الأبيض والكونغرس الأمريكيان الأشد تطرفا في مواقفهما من القضية الفلسطينية من الكنيست الإسرائيلي نفسه. كل ذلك بذريعة «إقامة متحف للتسامح الديني» في العاصمة البحرينية المنامة، مع أن عدد اليهود في البحرين لا يزيد عن 40 يهوديا من أصل حوالي مليون ونصف المليون نسمة. والثالث هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
أعتذر لبنيامين نتنياهو، وهو كما قلت لا يستحق الاعتذار على شيء، لأنني أسأت الظن فيه واعتبرته نصابا وكاذبا وضاربا لأسافين للتفريق بين العرب، وهو يتغنى بعلاقاته القوية مع دول عربية «سنية»، كما يحلو له وصفها، انطلاقا من الاعتقاد الخاطئ بأن الدول العربية وتحديدا «السنية الخليجية» منها ورائدتها المملكة العربية السعودية لن تتراجع عن مبادرتها للسلام، التي تبنتها القمة العربية في بيروت في مارس 2002.
وكان نتنياهو، قد أعلن قبل نحو أسبوعين أن العلاقة مع الدول العربيّة أفضل من أي وقت مضى في تاريخ إسرائيل، مشيرا إلى وجود علاقات سرية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية «السنية» في الخليج.
غير أن هذا الاعتقاد عن نتنياهو كان خاطئا وليس في محله، بعدما أعلن ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، التطبيع مع إسرائيل، الدولة المحتلة للأراضي الفلسطينية، من دون أن يرمش له جفن. فقد أثبت ابن حمد، صدق نتنياهو فقط في هذا الادعاء، لأن هذا الشخص، أي نتنياهو، معجون بالكذب.. فهو يكذب في كل شيء وأي شيء، بدءا من نفي تهم الفساد الموجهة إليه وإلى زوجته سارة وخيانة الأمانة، وصولا إلى الحديث عن السلام والتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، وهو الذي من حيث المبدأ والعقيدة يرفض قيام دولة فلسطينية بين البحر والنهر، بل لا يريد اي وجود فلسطيني.
وعلى هذا الأساس وجب عليّ أن اتقدم إليه بالاعتذار الشديد عن التشكيك في كلامه في موضوع العلاقات السرية مع بعض الدول العربية الخليجية، بعد أن ثبت أن هذا الرجل لا ينطق من فراغ في هذه المسألة بالذات.
الشخص الثاني هو ملك البحرين حمد بن عيسى، الذي نقل عنه، نيته التطبيع مع «إسرائيل»، في احتفال في مركز يهودي لإحياء ذكرى الهولوكوست في لوس أنجليس، ابن حمد لم يرسل وفدا للمشاركة في إحياء الذكرى الـ70 لنكبة فلسطين. ولكنه ربما سيشارك شخصيا في إحياء الذكرى المئوية لوعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، في الثاني من نوفمبر المقبل، تعبيرا عن تسامحه الديني.
والشيء بالشيء يذكر، فإنه تحت هذا العنوان، نشر في عام 2015، شريط فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لمسؤولين بحرينيين وهم يرقصون مع عدد من أعضاء الجالية اليهودية، وعددهم لا يتجاوز الأربعين نفرا، بعيد «الحانوكاه» (عيد التدشين).
وجاءت التصريحات بشأن التطبيع على لسان الحاخام إبراهيم كوبر رئيس مركز سيمون فيزنتال في مدينة لوس إنجليس الامريكية، إذ قال إنه وشريكه، الحاخام مارفين هايير، زارا العاصمة البحرينية المنامة في وقت سابق من السنة، وإن ملك البحرين قال لهما عند لقائهما به إنه سيسمح للبحرينيين بزيارة إسرائيل بشكل رسمي، وندد بالمقاطعة العربية لإسرائيل.
ما كان لملك البحرين أن يقول ذلك لو لم يحصل على الضوء الأخضر من الدولة الحامية والراعية له، السعودية التي دفعت بمصفحاتها إلى شوارع العاصمة المنامة خلال الهبة الشعبية ضد النظام، التي وصفت بمؤامرة شيعية تقف وراءها إيران.
والشكر لملك البحرين ليس على التطبيع مع دولة الاحتلال، فهذا قرار مدان بكل اللغات، ولا أعتقد أن غالبية الشعب البحريني وعدده يقل عن المليون ونصف المليون نسمه معظمهم يتبعون المذهب الشيعي، وأكثر من ثلثهم من الأجانب، يتفقون معه في الرأي أو سيلبون دعوته لزيارة دولة الاحتلال. ولكن الشكر له فقط على خروجه عن الصمت، الذي يلتزم به الآخرون، إلى العلن في العلاقات مع دولة الاحتلال، بمعنى أن اللعب معه أصبح على المكشوف، خلافا لبعض الدول الأخرى.
ولو اكتفى حمد بن عيسى بإعلان التطبيع، لربما وجدنا له ذريعة أن الرجل اختار أن يحط الرحال والراحة بعد «رحلة النضال الطويلة والشاقة»، ولقلنا إن الله لا يحمّل نفسا إلا وسعها، لكن عيسى بن حمد أخذته الحمية ليثبت أنه يهودي أكثر من اليهود، فراح يندد ويشجب الرافضين للتطبيع مع دولة الاحتلال. ليس هذا فحسب، بل عزفت أوركسترا البحرين النشيد الوطني للكيان الصهيوني «هاتكفا»، بحضور ولي عهد البلاد الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، وكان على رأس وفد من أربعين شخصا مشاركين في حفل «شمعون فيزنتال». وحضر الحفل عدد آخر من المسؤولين العرب.
الشيء المؤكد أن محاولات عيسى بن حمد ومن وراءه، ستبوء بالفشل في جر الشعب البحريني الأصيل الذي سيعبر عن رفضه لأي محاولات لخذلان الشعب الفلسطيني وقضيته.. ولنا في الشعب المصري خير مثال، فبعد أكثر من40 عاما على معاهدة كامب ديفيد بين الرئيس المصري السابق أنور السادات ومناحيم بيغن، وتبادل السفراء والسفارات، لا تزال أغلبية الشعب المصري، أي أكثر من 90%، ترفض التطبيع. ولا يزال الدبلوماسيون الإسرائيليون يشعرون بالوحدة والخطر في القاهرة. ولن يكون حظ عيسى بن حمد أفضل من حظ الراحل أنور السادات، ولن يكون الشعب البحريني أقل وطنية وتمسكا بالقضية الفلسطينية. وربما تملق عيسى بن حمد للوبيات اليهودية في الولايات المتحدة وإسرائيل، ليس إلا ثمنا للمساعدة التي يمكن أن تقدمها له، في وضعه تحت مظلة الحماية من البعبع الإيراني المصطنع، ودفاعا عنه وعن تاريخ نظامه الأسود في موضوع حقوق الإنسان الأساسية والحقوق المدنية. فقد أدين هذا النظام من قبل منظمات حقوقية لانتهاكه للحريات واعتقال وقمع المعارضين السياسيين لسياسات حكومته، وهم كثر، وخلق أجواء رعب في صفوفهم.
وننهي بخطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فقد خلا هذا الخطاب من أي إشارة إلى الاحتلال الإسرائيلي، في أي فقرة من فقراته، وهذا ما تريده إسرائيل التي تحاول أن تنفي وجود احتلال أصلا، وبدلا من ذلك ركز على «كسر جدار الكراهية والحقد»، وتوجه في خروج عن النص، بنداء للشعب الفلسطيني بعدم إضاعة الفرصة، وأن يكونوا مستعدين لقبول التعايش مع الآخر. وكأن الشعب الفلسطيني هو السلطة القائمة بالاحتلال، وليس الشعب الذي يعاني من الاحتلال منذ خمسين عاما، وكأنه الطرف الذي يرفض التعايش، وهو الذي وقعت قيادته اتفاقا ترفض إسرائيل تطبيقه، تنازلت فيه عن 78% من أرض فلسطين التاريخية. وشدد السيسي على أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي جنبا إلى جنب مع أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي»، ويقصد الفلسطيني وربما كلمة الحق سبقت، وحاول أعضاء الوفد المصري بعدها التغطية، ولا أدري إن كانت تلك زلة لسان، بالتصفيق. وأخطأ أيضا كما إخطأ غيره، في الربط بين إنهاء الارهاب وحل القضية الفلسطينية، فانهاء الاحتلال وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة لا علاقة له بالإرهاب الحالي المصطنع.
وأخيرا، فإن عيسى بن حمد ومستشاريه المقربين وقادة البحرين اعتادوا، أو بالأحرى امتهنوا كما يبدو رقص «الحنجلة» على أنغام «هاتكفا» وما يسمى بـ«التسامح الديني»، هذا المصطلح العظيم الذي يستغله البعض للتغطية على أفعال مشينة، كما هو فعل ملك البحرين الذي لا يريد التطبيع فحسب، بل يدين من يرفضه، ليصبح مصطلح حق يراد به باطل.