مقالات مختارة

عارُنا في ميانمار

حسين لقرع
1300x600
1300x600
أخيراً اجتمع مجلس الأمن الدولي لدراسة أعمال الإبادة الجماعية والتهجير في ميانمار بعد 20 يوماً كاملاً من بدايتها ضد الأقلية المسلمة في إقليم راخين، ما سمح للجيش البورمي والميليشيات البوذية بقتل أكثر من سبعة آلاف مسلم وتهجير 370 ألفاً مع توقعات بوصول المهجّرين إلى نصف مليون بعد أيام قليلة، أليس هذا دليلا على نفاق المجتمع الدولي الذي لا يتحرّك بالسرعة والفعالية المطلوبتين حينما يتعلق الأمر بمسلمين مثلما يفعل حينما يتعلق بأقليات وطوائف أخرى؟ ألم تجيِّش أمريكا في صيف 2014 تحالفا من 60 بلدا لمحاربة "داعش"، بعد أن هجَّر آلاف الأيزيديين والمسيحيين وعراقيين آخرين ينتمون إلى طوائف دينية قديمة مختلفة؟

منذ الأيام الأولى، كان واضحا أن المجتمع الدولي، الذي طالما روّج لقيم العدل والحرية وحقوق الإنسان، لا يريد أن يتخذ موقفا حازما ضد ميانمار برغم ثبوت قيام جيشها بحرق المئات من قرى الأقلية الروهينغية، وقتل الآلاف بالرصاص دون محاكمة، فضلا عن أعمال الاغتصاب والترويع وحرق المسلمين أحياء، والتهجير الجماعي، ثم زرع ألغام على الحدود لمنع المدنيين الهاربين من العودة إلى ديارهم، وهي فظائع يصنفها القانون الدولي جرائمَ إبادة وجرائم ضد الإنسانية، تتطلب استصدار أوامر من محكمة الجنايات الدولية بالقبض على مدبّريها ومحاكمتهم، وفي مقدمتهم الرئيسة سوتشي الحائزة –ويا للمفارقة- على جائزة نوبل لـ"السلام؟!"، تماما مثلما حدث مع كبار مجرمي الحرب الصرب في التسعينيات، لكن مجلس الأمن الدولي غضّ الطرف عما يحدث من مذابح وأعمال تطهير عرقي في ميانمار إلى أن كبُرت الفضيحة ولم يعد قادرا على الاستمرار في تجاهلها، فاجتمع لإدانتها ومطالبة حكومة ميانمار بإيقاف "العنف؟!" ضد الروهينغيا، ولم يدعُ حتى إلى إعادة المهجّرين ظلما إلى ديارهم وتعويضهم عن قراهم وبيوتهم المحروقة!

تُرى ما ذنبُ الأطفال والنِّساء والمدنيين العزّل في إقليم راخين إذا قام بعض المتشدِّدين بمهاجمة مقرَّات أمنية بورمية وقتلوا 10 رجال أمن؟ أيّ شريعة أو قانون يبيح لهذا الجيش الانتقام والثأر من مئات آلاف المدنيين وارتكاب مذابح وحشية بحقهم وتهجيرهم بذنب مجموعة مسلحة صغيرة هاجمته؟ وهل هذه الطريقة الهمجية ستضع حدا للإرهاب، أم إنه سيجعله يتفاقم تحت وطأة شعور الناس بالظلم والقهر والإذلال وخذلان العالم لهم؟

طالما اتهم الغرب المسلمين بالإرهاب والتطرّف، وبشكلٍ تعميمي طافح بالتجنِّي والتحامل، ولكن ماذا الآن عن المذابح والتصفية العرقية التي يرتكبها الجيش البورمي والرهبانُ البوذيون منذ قرابة ثلاثة أسابيع ضد مسلمي الروهينغيا؟ وماذا عن تهجير سكان 176 قرية عن بكرة أبيهم من مجموع 471 قرية وبدء تهجير سكان 34 قرية أخرى حسب اعتراف الناطق باسم الرئاسة البورمية نفسه؟ أليس هذا إرهابا وتطرّفا بوذيا مقيتا؟

أخيرا: إذا كان الغرب قد سكت أو اكتفى بأقوال لا تسمن الروهينغيين أو تغنيهم من جوع، فإن ضعف مواقف أمة المليار شعوبا وحكاما يثير الاستغراب والإحباط معا؛ فقد رفضت "منظمة التعاون الإسلامي" مجرد عقد اجتماع طارئ واكتفت حكوماتنا بـ"دعوة المجتمع الدولي إلى التحرّك"، من دون أن تمارس عليه أي ضغط لإقرار عقوبات ضد حكومة ميانمار، كما لم تقم بقطع علاقاتها الاقتصادية مع هذه الدولة المارقة وطرد سفرائها من عواصمها وذلك أضعف الإيمان!

الشروق الجزائرية
0
التعليقات (0)