آثرت أن أتناول بالنقاش الموضوعي عودة عبد الباسط أقطيط للمشهد السياسي من جديد بعد محاولته تصدره إياه بالترشح لمنصب رئيس الوزراء في أعقاب الجدل الذي ثار حول أهلية على زيدان للمهمة عام 2014، وحالت الظروف السياسية والأمنية من أن يحقق أقطيط طموحه.
اليوم يعود أقطيط للمشهد بمقاربة سياسية مختلفة، فأقطيط اليوم لا يطرق باب المؤسسات الرسمية ليقدم نفسه بديلا في سباق التنافس على كرسي رئاسة الحكومة، بل هو يتوسل مسار ثوريا ويضع نفسه في مواجهة الأجسام والكيانات النافذة التي تمثل أدوات السلطة ويتعامل معها الجميع داخليا وخارجيا.
دعا أقطيط سكان العاصمة طرابلس تحديدا للخروج في مظاهرات تأييد له لأجل إخراج ليبيا من أزمتها الحادة، واختيار العاصمة له دلالته، فهي مركز الثقل والتأثير، ثم إن التدافع السياسي في العاصمة محتمل بينما هو في بنغازي دموي والاحتكام فيها سيكون للسلاح.
أقطيط لم يحدد الهدف من التأييد الشعبي الذي ينشده، أهو لفرضه رئيسا لحكومة الوفاق التي يدور نقاش حول ضرورة فصلها عن المجلس الرئاسي، أم دعمه في أن يكون خلفا لفايز السراج وذلك في ظل التجاذب الدائر حول إعادة تشكيل المجلس الرئاسي ليضم فقط رئيسا ونائبين، أم أنه يسعى لتغيير المنظومة القائمة والدخول في مرحلة انتقالية جديدة تكون كإفراز لثورة شعبية أو انتفاضة جماهيرية في العاصمة ليعقبها شيء مماثل في المدينة الأخرى؟!
لم يتحدث عبد الباسط أقطيط عن المسار السياسي ولم يقدم إجابات واضحة عن التساؤلات آنفة الذكر، واعتقد أنه تعمد ترك الخيار للفرصة وللتداعيات المحتملة، بمعنى أن حجم الحراك وقوته هو من سيحدد سقف المطالب، وأقل ما يمكن أن يتحقق أن يصبح أقطيط رقما سياسيا مهما في حلبة الصراع من خلال تأييد شريحة شعبية مختلطة تفاعلت مع خطابه "الفيس بوكي" خلال الأسابيع الماضية.
ركز أقطيط في انتقاده على شخصيتين هما رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج ، وقائد عام جيش البرلمان خليفة حفتر، وحملها مسؤولية الواقع السيئ الذي تعيشه البلاد، ولم يتطرق إلى رئيس المؤسسة التشريعية أو المجلس الأعلى للدولة، مما يعني أن صراعه داخل دوائر السلطة التنفيذية التي بات أبرز نجومها السراج وحفتر.
على مستوى مضمون المقاربة السياسية فقد اتجه أقطيط إلى استثمار المعاناة الاقتصادية وتدهور الخدمات الأساسية ليقدم نفسه كمخلص، باعتبار أنه رجل أعمال ناجح وأن همه الأكبر سيتجه إلى معاناة الناس والبدائل التي ستخرج البلاد من وضعها المالي والخدماتي المزري بل ويتقدم بها باتجاه منحى التنمية والصعود الاقتصادي، وليس الحروب وإنفاق الأموال على شراء السلاح.
ولقد لخص عبد الباسط أقطيط عوامل التأزيم في ثلاثة عناصر جعلها محور حديثه ومنفذ تصحيحه للوضع المأزوم وهي:
-إسقاط الشخصيات التي تتزعم المشهد السياسي وتسببت، في رأيه، في توريط البلاد.
-إبعاد الأطراف الإقليمية التي كان لها دور كبير في تردي الوضع.
-التركيز على العامل الاقتصادي في معالجة الوضع المأزوم مرحليا واستراتيجيا.
الجماهير إذا مطالبة بأن تكون هي أداة فرض أقطيط على الساسة ووضعه على قمة هرم السلطة التنفيذية، وهو خيار يحمل في جوانبه تداعيات في حال كان التفاعل الشعبي مؤثرا، وذلك لان أقطيط في نظر المجلس الرئاسي وأنصاره متطفل بل متمرد يدعو إلى تقويض الشرعية، برغم أنه لم يصدر شيء بهذا الخصوص عن المجلس الرئاسي ربما اعتقادا بأن التفاعل سيكون محدودا ويمكن احتوائه، أو ادراكا منهم بأن التسويات السياسية المقبلة كفيلة بأن تسحب البساط منه.
في أخر مقطع تضمن حديثا سياسيا (سنناقش المشروع الاقتصادي لقطيط في مقال قادم) أشار أقطيط إلى أنه يمكن أن يكون الحراك الشعبي المناصر له عنيفا (أخرجوا قبل أن يخرجكم الناس في توابيت)، وإيحاءات الساسة يمكن أن تتحول إلى برنامج عمل عند أنصارهم، فما أدري هل يعي أقطيط هذا وتعمد إدراجه ضمن حديثه أم أن الحماس قاده لذلك التصعيد.
وأخلص إلى القول بأن هناك تفاعلا ملحوظا مع أقطيط، هذا التفاعل يمكن أن يتطور أو يتراجع، وسيفتح الباب لإمكان وقوع تحالفات أو اصطفافات جديدة، لكن نجاح مقاربة أقطيط للوصول إلى كرسي القيادة مرهون بعوامل ثلاث يبدو أنهما لم يتبلورا بعد وهي:
-المشروع المتكامل بإبعاده السياسية والأمنية والاقتصادية.
-تأييد مكونات سياسية واجتماعية وعسكرية فاعلة على الأرض.