سياسة عربية

ملك المغرب: يخالف التوقعات ويخصص خطاب "الثورة" لأفريقيا

الملك المغرب: إننا بصدد بناء أفريقيا واثقة من نفسهاـ فيسبوك
الملك المغرب: إننا بصدد بناء أفريقيا واثقة من نفسهاـ فيسبوك
فاجأ العاهل المغربي، الملك محمد السادس، المتتبعين لخطاب ثورة الملك والشعب، التي يخلدها المغرب كل 20 غشت (أغسطس/ آب) بتركيز كلمته الحديث عن علاقة المغرب وأفريقيا، وعدم تطرقه للوضع الداخلي للبلاد، خاصة الأوضاع في مدينة الحسيمة ومنطقة الريف شمال المغرب.

وخصص خطاب الملك حيزا من خطابه حول أفريقيا إلى ملف الصحراء، حيث اعتبر أن 2017 كانت سنة الوضوح والرجوع إلى مبادئ ومرجعيات تسوية هذا النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء.

سنة الوضوح في الصحراء

وقال العاهل المغربي، في خطاب وجهه بمناسبة الذكرى الـ64 لثورة الملك والشعب، إنه "إذا كانت 2016 سنة الحزم والصرامة، وربط القول بالفعل، في التعامل مع المناورات التي كانت تستهدف النيل من حقوقنا، فإن 2017 هي سنة الوضوح والرجوع إلى مبادئ ومرجعيات تسوية هذا النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء".

وتابع الملك: "هذا النهج الحازم والواضح مكن من وضع مسار التسوية الأممي على الطريق الصحيح، ومن الوقوف أمام المناورات التي تحاول الانحراف به إلى المجهول".

وزاد: "وهذا هو ما أكده تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، وقرار مجلس الأمن لأبريل الماضي، سواء في ما يخص الالتزام بمرجعيات التسوية، وتثمين مبادرة الحكم الذاتي، كإطار للتفاوض، أم في تحديد المسؤوليات القانونية والسياسية للطرف الحقيقي في هذا النزاع الإقليمي".

وأضافي الملك أن "تدبير أزمة (الكركرات)، بطريقة استباقية، هادئة وحازمة، مكن من إفشال محاولات تغيير الوضع بصحرائنا، ومن دفن وهم الأراضي المحررة، التي يروج لها أعداء المغرب".

وسجل الملك أنه "على أنه موازاة مع ذلك، يتواصل الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي، سواء من خلال تزايد عدد الدول التي سحبت الاعتراف بكيان وهمي أم عبر التسوية القانونية للشراكة الاقتصادية التي تربط المغرب بالعديد من القوى الكبرى".

دعم أفريقي لمغربية الصحراء

وأكد الملك محمد السادس، أن "توجه المغرب إلى أفريقيا، لن يغير من مواقفنا، ولن يكون على حساب الأسبقيات الوطنية. بل سيشكل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، وسيساهم في تعزيز العلاقات مع العمق الأفريقي".

وأضاف الملك: "كان له أثر إيجابي ومباشر، على قضية وحدتنا الترابية، سواء في مواقف الدول، أم في قرارات الاتحاد الأفريقي".

وشدد على أن "هذا الأمر عزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف، على مستوى الأمم المتحدة، فالمغرب اختار نهج سياسة تضامنية، وإقامة شراكات متوازنة، على أساس الاحترام المتبادل، وتحقيق النفع المشترك للشعوب الأفريقية".

وأفاد بأن "المغرب لم ينهج يوما سياسة تقديم الأموال، وإنما اختار وضع خبرته وتجربته، رهن إشارة إخواننا الأفارقة، لأننا نؤمن بأن المال لا يدوم، وأن المعرفة باقية لا تزول، وهي التي تنفع الشعوب".

وتابع: "هم يعرفون ذلك، ويطلبون من المغرب التعاون معهم، ودعم جهودهم في العديد من المجالات، وليس العكس، ويدركون حرصنا على بناء شراكات مثمرة معهم، تقوم على استثمارات وبرامج تنموية مضبوطة، بين القطاعين العام والخاص، في الدول المعنية".

وخلص الملك إلى أن "الذين يعرفون الحقيقة، ويروجون للمغالطات، بأن المغرب يصرف أموالا باهظة على أفريقيا، بدل صرفها على المغاربة، فهم لا يريدون مصلحة البلاد".

الدفاع عن أفريقيا

وشدد الملك على أن "التزام المغرب بالدفاع عن قضايا ومصالح أفريقيا ليس وليد اليوم. بل هو نهج راسخ ورثناه عن أجدادنا، ونواصل توطيده بكل ثقة واعتزاز".

وأكد  الملك أن "ثورة الملك والشعب تعتبر أكثر من ملحمة وطنية خالدة، جمعت ملكا مجاهدا، وشعبا مناضلا، من أجل استقلال المغرب، وعودة ملكه الشرعي، وشكلت محطة مشرقة في تاريخ المغرب تجاوز إشعاعها وتأثيرها حدود الوطن، ليصل إلى أعماق أفريقيا".

وأضاف أن "هذه الثورة ألهمت بشكلها الشعبي التلقائي وبقيم التضحية والوفاء التي قامت عليها حركات التحرير بالمغرب الكبير وبأفريقيا من شمالها إلى جنوبها، وعمقت الوعي والإيمان بوحدة المصير، بين المغرب وقارته، بداية من الكفاح المشترك، من أجل الحرية والاستقلال، ثم في بناء الدول الأفريقية المستقلة على أساس احترام سيادة بلدانها ووحدتها الوطنية والترابية".

وأوضح أنه "استلهاما لمعاني وقيم هذه الثورة المجيدة لم يكن غريبا أن يتخذ المغرب، منذ بداية الاستقلال، مواقف ثابتة، ومبادرات ملموسة لصالح أفريقيا".

وأبرز الملك أن "هذه المبادرات تمثلت بالخصوص في المشاركة في أول عملية لحفظ السلام في الكونغو سنة 1960، واحتضان مدينة طنجة، في نفس السنة، لأول اجتماع للجنة تنمية أفريقيا، وإحداث أول وزارة للشؤون الأفريقية في حكومة 1961 لدعم حركات التحرير".

وقال إن "هذه الجهود الصادقة، لأجل شعوب أفريقيا، توجت سنة 1961، باجتماع الدار البيضاء الذي وضع الأسس الأولى لقيام منظمة الوحدة الأفريقية سنة 1963".

العودة إلى أفريقيا.. التاريخ والمستقبل

وقال الملك إن "توجه المغرب نحو أفريقيا لم يكن قرارا عفويا، ولم تفرضه حسابات ظرفية عابرة، بل هو وفاء للتاريخ المشترك، وإيمان صادق بوحدة المصير، وثمرة تفكير عميق وواقعي تحكمه رؤية استراتيجية اندماجية بعيدة المدى، وفق مقاربة تدريجية تقوم على التوافق".

وأكد الملك أن السياسة القارية للمغرب ترتكز على "معرفة دقيقة بالواقع الأفريقي، أكدتها أكثر من خمسين زيارة قمنا بها لأزيد من تسع وعشرين دولة، منها أربع عشرة دولة، منذ أكتوبر الماضي، وعلى المصالح المشتركة، من خلال شراكات تضامنية رابح-رابح".

وأبرز أن "رجوع المغرب إلى المؤسسة الأفريقية يعتبر نجاحا كبيرا لتوجهنا الأفريقي رغم العراقيل التي حاول البعض وضعها في طريقنا. وهو أيضا شهادة من أشقائنا الأفارقة على مصداقية المغرب ومكانته المتميزة لديهم".

وتقدم الملك بـ"عبارات الشكر والتقدير لكل دول القارة التي وقفت إلى جانبنا. وحتى تلك التي لم تساند طلبنا، واثقا من أنها ستغير موقفها عندما تعرف صدق توجهاتنا".

وأضاف أنه "إذا كان هذا الرجوع هاما وحاسما، إلا أنه ليس غاية في حد ذاته، فأفريقيا كانت وستظل في مقدمة أسبقيات المملكة وأن ما يهم المغرب هو تقدم القارة الأفريقية وخدمة المواطن الأفريقي".

وأشار الملك إلى أن "المغرب يعتبر أن أفريقيا هي المستقبل والمستقبل يبدأ من اليوم".

وأضاف جلالة الملك قائلا: "إننا بصدد بناء أفريقيا واثقة من نفسها، متضامنة ومجتمعة حول مشاريع ملموسة، ومنفتحة على محيطها".

مجموعة غرب أفريقيا

وسجل الملك أن "نفس المنظور التكاملي دفع المملكة لإضفاء طابع رسمي على رغبتها في الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا".

وأعرب الملك عن "شكره لقادة دول المجموعة على إعطاء موافقتهم المبدئية على انضمام المغرب إليها كعضو كامل العضوية". مبرزا أن "هذه المنظمة هي امتداد طبيعي للاتحاد الأفريقي، وأن انضمام المغرب إليهما سيساهم في تحقيق التقدم الاقتصادي، والنهوض بالتنمية البشرية بالقارة".

وقال: "إنه قرار سياسي تاريخي، يشكل علامة بارزة، على درب تحقيق الاندماج الاقتصادي، الذي لا يمكن تصوره إلا كنتاج لكل التكتلات الإقليمية، خاصة في سياق أصبحت فيه التجمعات الجهوية قوة وازنة في السياسة الدولية".

وأكد أن "المملكة المغربية ستعمل، من موقعها داخل المجموعة، على إرساء دعائم اندماج حقيقي في خدمة أفريقيا، وتحقيق تطلعات شعوبها، إلى التنمية والعيش الكريم، في ظل الوحدة والأمن والاستقرار".

مضامين خطاب الملك كانت مفاجئة خاصة في الشق المرتبط بمدينة الحسيمة، لأن الملك يقيم طيلة فصل الصيف بمدن الشمال المغربي، وقام بزيارة إلى مدينة الحسيمة التي تعيش على وقع التصعيد أياما قليلة قبل الخطاب.

وخالف خطاب الملك جل التوقعات، حيث ذهبت التكهنات إلى أن خطاب الملك في 20 غشت، سيعلن إعفاء عدد من الوزراء أو حتى الذهاب إلى إعلان حالة الاسثتناء (أقرب إلى حالة الطوارئ)، خاصة في ظل خطاب عيد العرش الذي كان قاسيا في مواجهة الأحزاب والمسؤولين العموميين.

وذهبت توقعات إلى أن الملك قد ينهي الأزمة المتفاقمة في منطقة الحسيمة من خلال إعلان مبادرة، وإطلاق سراح المعتقلين على خلفية حراك الريف في إطار عفو ملكي وهو مالم يتم.
0
التعليقات (0)