المناسبة كانت مناورة النجم الساطع في الثاني عشر من أكتوبر عام 2009 وفي هذا اليوم من خيمة على الشاطئ بالإسكندرية، جلس بعض الشخصيات يتابعون الوحدة الثانية والعشرين من مشاة البحرية الأمريكية وهي تقوم بمناورة الهجوم على الشاطئ.
في مقدمتهم جلست السفيرة الأمريكية، ترتدي نظارة شمس وتضع ساقاً على ساق، كانت ترتدي الألوان، الأحمر والأبيض والأسود، في لفتة دبلوماسية مجاملة لا تخطئها العين. وبجانبها الفريق جون ألن نائب قائد القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط.
الخيمة على يمين السفيرة الأمريكية وإلى الخلف منها قليلا، طاولة صغيرة منخفضة عليها نظارة ميدانية وعلبة مناديل. خلف علبة المناديل يجلس لواء مصري ما يدون بيانات ما بحرص.
إلى الخلف من الضابط الذي يدون البيانات جلس ضابط مصري آخر ينظر إلى السارجنت مات إبرايت وهو يلتقط صورة الجالسين، وإلى الخلف جانبه جلس ضابط آخر يتابع المناورة في تأدب من خلف كتف السفيرة الأمريكية. وعلى يسار الضابط المتأدب كان هناك عامود خشبي، استخدموه في الغالب للإبقاء على سقف الخيمة مرفوعاً.
خلف ذلك العامود جلس شخص برتبة لواء وعلى ملامح ذلك الشخص ارتسمت نفس التعبيرات تقريباً التي تراها على وجه الممثل أحمد مكي وهو يمثل شخصية حزلئوم في فيلم (لا تراجع ولا استسلام) في المشهد الشهير الذي لن تجد مصرياً لا يذكره، حين ألقى به مركب الهجرة غير الشرعية على شاطئ بلطيم وهو يظن نفسه قد وصل اليونان وقد لفت نظره تشابه نداءات بائع الفريسكا على الشاطئ (الذي ظنه شاطئ اليونان) مع نداءات بائعي الفريسكا على الشواطئ في مصر.
ذلك الجالس خلف العامود في زاوية ما من تلك الخيمة في ذلك اليوم هو الذي أمر بقتل الآلاف في رابعة. ذلك الشخص هو نتاج منظومة اتخذت شكلها النهائي منذ ما يزيد على العقود الستة بعد انقلاب يوليو 1952.
ذلك الشخص هو من أصدر قراراً بالأمس بمعاملة أمير الكويت معاملة المصريين وتمليكه 163 فداناً شرق منطقة القصاصين بالظهير الصحراوي لمحافظة الإسماعيلية المطلة على قناة السويس.
وهو نفسه من فرط في تيران وصنافير وباع حقول الغاز بمنطقة البحر الأبيض المتوسط وأمر جيشه بتهجير أهالي رفح والقائمة تطول.
لم يكن السارجنت مات إبرايت وهو يلتقط الصورة في ذلك اليوم في الإسكندرية يعلم أن ذلك الشخص الجالس بعيداً عن مركز الصورة هو نفسه الذي ستجري معه الواشنطن بوست حواراً صحفياً بعد سنوات يدعي فيه أن ما حدث في 30 يونيو كان ثورة وأن جيشه حماها وأنه ضد الإخوان المسلمين لأنهم يريدون استعادة الخلافة.
ربما لم يكن السارجنت إبرايت يعرفه ومن المؤكد أن أحداً في مصر لم يكن يعرفه. كان لواء وكان وقتها قائد المنطقة الشمالية العسكرية وهو ما يجعلك تتساءل في استغراب، بعد أن تستمع لإبداعاته: كيف تتم التعيينات في مصر؟!
وربما لُمت المنظومة الفاسدة ولكنك بالتأكيد ستتوقف كثيراً لتتساءل، بعد أن تسمع إنجليزيته أو قل (اللا إنجليزية) وهو يقول لمذيع أمريكي (ليت مي توك باي أرابيك بليز)، عن كيفية حصول ذلك الشخص على درجة الماجستير من كلية القادة والأركان البريطانية سنة 1992 ثم على زمالة كلية الحرب العليا الأمريكية سنة 2006.
ذلك الشخص الذي كان يجلس خلف العامود الواقع إلى يسار كتف السفيرة الأمريكية والذي لا تعرف كيف حصل على زمالة كلية الحرب العليا الأمريكية هو نفسه الذي جعلوا منه واجهة لانقلاب على الرئيس المنتخب الحاصل على دكتوراه في الهندسة من الولايات المتحدة الأمريكية.
ذلك الشخص الذي كان يجلس في موقع متأخر عن العامود في تلك الصورة، هو نفسه الذي ترى محللين يرتدون الحلل الأنيقة ويجلسون في الاستوديوهات ليتحدثوا عما يسمونه بـ (ترشحه) لانتخابات العسكر !!