تشعر وأنت تسمع لإعلام السيسي وحوارييه ومن ساروا على نهج إعلامه في دول الحصار العظمى أنك أمام مقاطع من الأفلام القديمة التي تستعرض حياة المهمشين أو الصعاليك مع تقديرنا للناس على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية .
للدولة وللسلطة والحكم والسلطان شروط إن فقدت سقطت هيبة الكل في لحظة واحدة، هذه الشروط أولها الرزانة والرصانة والحكمة والعقل والتبصر واختيار الكلام بما يناسب الظروف زمانا ومكانا ، وكلها شروط سقطت مع السقوط السياسي المخزي لدول الحصار.
لغة الخطاب تدهورت وهوت في هوة سحيقة ليس لها من قرار، تابع الحوارات الإعلامية والمقالات التي تنشر في صفحات صحف يفترض أنها تخاطب المثقفين وستجد أنها لغة أولاد الشوارع والصعاليك مع تقديري مرة أخرى لهؤلاء لأنهم أي الصعاليك لم تتوفر لهم بيئة ملكية وارستقراطية مثل التي أتيحت لبعض نفر من بني جلدتنا ولو توفرت للصعاليك فربما تغيرت لغتهم إلى التي هي أحسن وأفضل قيلا.
في مدرسة الاستبداد قديما كانت لغة العنف والقوة والسيطرة والتخويف والتعذيب هي السائدة، ولكن في مدرسة الاستبداد الجديدة لم يكتف المستبدون الجدد بالتهديد والوعيد بل تجاوزوا ذلك باستخدام لغة الشوارعية ( نسبة إلى المشردين في الشوارع ) والعربجية (نسبة إلى العربجي وهو من يقود عربة كارو وحمار).
انتقل خطاب الشوارع من الحواري والأزقة إلى منصات الإعلام وصفحات الجرائد وفضاء المواقع الإعلامية وحديثا جدا انتقل هذا الخطاب الشوارعي والعربجي إلى المنصات السياسية وانتقلت لغة الردح من أماكن نشأتها وانتشارها إلى شرفات القصور ومراكز صنع القرار .
حين يقف جنرال الغبراء متحدثا للإعلام بعد خطاب أمير قطر الذي وضع النقاط فوق الحروف، وقدم نموذجا راقيا لرجل الدولة وإن صغرت حجما لكنها استطالت طولا و تجذرت عمقا وهو يعترف بحجم الأضرار ويعاتب بشرف وكرامة ويتمسك بحق بلاده دون تكبر وغرور، ثم في صبيحة الأيام التالية تجد السيسي بين مموليه وكفلائه وعملائه أيضا يتحدث بلغة الشوارعية والعربجية عن مقدار ما ينفق على إطعام الشعب المصري أو حجم ميزانيته ويوجه كلامه ساخرا او مطالبا بمائة مليار دولار لمن يريد أن يتدخل في الشأن المصري، ساعتها ستدرك حقيقة ما أحاول بيانه.
حين تتابع السيسي عبر أربع سنوات تجد أن الدولة المصرية فقدت وتفقد كل يوم معنى من معانيها مع كل جملة يتفوه بها الجنرال وكل عبارة ينطق بها ويحاول أن يشرح فيها ما سبق من عبارات غير مكتملة وغير واضحة فيلجأ و هو العاجز إلى لغة الجسد وتسعفه لغة العربجية والشوارعية بكلمات يصفق لها البعض بلاهة أو كيدا فيمن يسخر منهم السيسي.
نفس الشيء فعله محمد بن سلمان حين صك بجهل مصطلح إعلام الإخونج وهو مسكين يدري أو لا يدري أن من أهانه ونال من والده وأجداده هو إعلام الانقلاب ولكنه رآها فرصة لمن يتبعونه مضطرين في فضاء التويتر والفيسبوك وفي اللجان الالكترونية لكي ينشروا هذا المصطلح على لسان رجل أصبح في يوم من الأيام وليا لعهد بلاده ومن يدري ماذا سيكون غدا ؟
واسمع أو اقرأ لأنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي الذي استخدم مفردات الطلاق والفراق في أزمة سياسية لن تترك دول مجلس التعاون الخليجي دون إحداث عاهة مستديمة وسيكون قادتها والعائلات الحاكمة اكثر المتضررين منها .وتسأل نفسك ساعتها أين تعلم هؤلاء ومن أي مدرسة تخرجوا ؟ اللهم إلا مدرسة الردح والشرشحة والصعلكة.
انزل بالمستوى قليلا وتابع تغريدات ضاحي خلفان المتحدث الرسمي باسم الكيان الصهيوني في الإمارات وستدرك أن جيلا سياسيا نشأ وترعرع على أرصفة الشوارع وليس في البيوت الكبيرة والقصور كما قد توحي إليك الصور والزي ورائحة العطور التي تنبعث من أحدهم ولكنها ( أي العطور) ولو كانت كماء البحر لن تستطيع أن تخفي رائحة القبح المنبعث من الكلمات والتصريحات القبيحة لفظا ومعنى.
وكلما نزلت في المستوى ستجد أن السفراء والقناصل باتوا أكثر(عربجة) من ذويهم وأصحاب الفضل عليهم، وقد تصدم حين تسمع لسفير سابق وهو يتحدث عن أم رئيس دولة وينال من عرضها لكن الصدمة ستكون أكبر حين تسمع هذا الكم من السباب من مسئول خليجي بدرجة وزير وأنت تعلم والكل يعلم أن للخليج أو كانت له خصوصية سقطت حين أيد الانقلاب فأصابه فيروس القبح والسباب ممن جاء به وصكه في مصر.
لم استمع للشيخ تميم بن حمد أمير قطر من قبل ولكن خطابه الأخير بعد مرور شهرين تقريبا على أزمة الحصار أوضح لي وبجلاء أن حكام دول الحصار إلى زوال وإن طالت مدة بقائهم في السلطة لأنهم لا يصلحون لشيء من فنون الحكم والإمارة وأنهم ومعهم ترامب مجرد أراجوزات يتم تحريكهم من وراء ستار .
للحكم وللسلطة أصول متبعة وتقاليد مرعية على مر الزمان ، وما يقوم به السيسي من شرشحة وعربجة سياسية يؤكد ما ذهبنا إليه وقت وقوع الانقلاب أن الدولة المصرية التي سقطت باعترافه لم تسقط مع الدبابات المدعومة بالمال الخليجي ولكنها سقطت بسقطات لسان حاكم لا يدري من أين ولا كيف تخرج كلماته .