مواجهات في ساحات الأقصى بين الشبان الفلسطينيين وقوات العدو الصهيوني. إغلاق شوارع ومداخل مدينة "أم الفحم" في العمق الفلسطيني. منع أذان صلاة الجمعة من المسجد الأقصى كسابقة ومنع المصلين من أداء صلاة الجمعة. المسلمون يؤدون صلاتهم خارج أسوار بيت المقدس كسابقة لأول مرة منذ الاحتلال..واختطاف إمام المسجد الأقصى الشيخ محمد حسين من قبل عصابات يهودية بعد أن دعا المسلمين إلى شدِّ الرحال إلى الأقصى.
هذه صحيفة مدينة السلام تضجُّ بروح المقاومة وبوقائعها، وهنا لابد من تسجيل عدة ملاحظات؛ أولها أن الشهداء الثلاثة الذين سقطوا في ساحات الأقصى ينحدرون من عائلة واحدة، من مدينة ظن العدو الصهيوني أنها صارت في إطار "دولة إسرائيل" بمعنى أن منفذي العملية لم يأتوا من مناطق تسيطر عليها حماس أو السلطة.
الملاحظة الثانية أن مدينة أم الفحم إحدى مدن المثلث الأشم، وهي واقعة تحت دائرة الاغتصاب منذ 1948 تتعرض لما يشبه حصار الغيتو، وقد أغلقت منافذها وتشن عليها قوات العدو الصهيوني حملات من الاعتقالات والتحقيق.
والملاحظة الثالثة تكمن في القدرة الفائقة التي تمكن الشبان الفلسطينيون بها من اختراق الإجراءات الأمنية الصهيونية المشددة حول المسجد الأقصى، والوصول إلى ساحات المسجد والاشتباك مع قوات الأمن الصهيونية وقُتل عددٌ منهم.
الذي يجري منذ عدة سنوات على الأرض الفلسطينية ينبِّئ بتحوُّلات عميقة في آليات العمل الفلسطيني، كما في طبيعة المكونات الفلسطينية النضالية، فبعد أن جمدت السلطة أشكال المواجهات العنيفة مع العدو الصهيوني وتعمل على ضبط إيقاعه؛ إيمانا منها بعدم جدواه، وبعد أن حوصرت حماس في غزة وأصبحت الهدنة والتهدئة مسألة متفقا عليها، هنا تحرك الداخل الفلسطيني تحرك القدس بشبانه يتقاذفون على الموت بسكاكينهم وسياراتهم؛ طعنا ودهسا لقوات العدو الصهيوني، فكانت قافلة شهداء القدس هي قاطرة العمل النضالي الفلسطيني خلال السنوات الأخيرة، وتحركت المدن والقرى الفلسطينية في العمق الفلسطيني فشهدنا عدة عمليات نوعية من عملية تل أبيب الشهيرة إلى عملية الأقصى الأخيرة وما بينهما، مما يعني أن العمق الفلسطيني "2 مليون نسمة" قد انخرط في نوع العمل الفدائي، بل لعله هو الأكثر حضورا في هذا الميدان. هذا جنبا إلى جنب مع الدور السياسي والثقافي والنضال الشعبي الذي يقوم به فلسطينيو العمق وقياداتهم المتميزة، التي تكاد أن تحقق الإجماع الفلسطيني في أدائها النوعي، لاسيما عمليات شد الرحال إلى المسجد الأقصى، حيث يمثل أهل العمق الفلسطيني الحماية والرباط المستمر للمسجد الأقصى ضد المستوطنين والعنصريين.
في القدس الجوابُ الحقيقي: مواجهاتٌ ومظاهرات وطعن وقتل ودهس. هذا هو بيان القدس للعالم أجمع وليس من متوقعا سوى ذلك لمدينة مشحونة بالمعاني الروحية الخاصة، ونحوها تتعلق قلوب المسلمين من كل صوب. وارتفاع نبرة هذا البيان تقول للفلسطينيين السياسيين جميعا هنا المشكلة الجوهرية وهنا المواجهة الحقيقية، وكل ما سوى ذلك إنما هو مضيعة وقت، كما أن بيان القدس يؤكد أن الشعب الفلسطيني أكثر تمردا مما توقع العدو الصهيوني، وأنه شعب لا يمكن تجميد دوره الكفاحي، وهو سيفاجئ العدو ويأتيه بالضربات من حيث لا يشعر.. تولانا الله برحمته.