من باب النكاية ليس إلا؛ هذا هو التفسير الوحيد لاعتقال سلطات الانقلاب العسكري في مصر للسيدة علا القرضاوي؛ ابنة العلامة القرضاوي، الحاصلة على ماجستير الكيمياء الحيوية من جامعة تكساس، وليس نكاية في أبيها فقط، بل أرادت أن تكون النكاية في طرفين: طرف القرضاوي العلامة التسعيني، الذي يغيظ الانقلاب، والدول التي استأجرت السيسي للقيام بانقلابه، وساهمت معه - حتى الآن - شريكا أساسيا في كل ما تم منذ التخطيط لإسقاط أول رئيس مدني لمصر، والأمر مقصود به النكاية في الشيخ، وفي الدولة التي تحمل جنسيتها السيدة علا القرضاوي، حيث إنها تحمل الجنسية القطرية، رغم أنها ليست لها أي انتماء حزبي أو سياسي مطلقا، وهو ما يفسر الأمر على أنه نكاية فقط، فلو كان ديدن الانقلاب العسكري مع كل خصومه أو المحاكمين - بحق أو بظلم - أن يأخذ ذويهم من باب الضغط عليهم، فسيكون السؤال: أين زوجة وبنات حبيب العادلي الهارب، وأين بنات وزوجة حسين سالم، وأين زوجة وبنات يوسف بطرس غالي، ورشيد محمد رشيد، وغيرهم من فلول النظام، ممن سرقوا مال الشعب المصري وهربوا؟
فهو تصرف لا يصنف إلا في باب الخسة، وليس غريبا على ممارسات الحكم العسكري، إذ هو سلوك خسيس بمعيار الخلق العربي والإسلامي، فمبقارنة لأخلاق الجاهلية، سنجد أن "السيد" أبا جهل يأنف ويستنكف من هذا السلوك أن يقوم به، ففي ليلة الهجرة وقد خططت قريش لقتل محمد صلى الله عليه وسلم، وقد انتظر الشباب الهائج طويلا أمام بيت النبي صلى الله عليه وسلم، منتظرين خروجه فيضربونه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه على القبائل، وطال انتظارهم، وكلما نظروا من ثقب في الباب رأوه نائما متوسدا في فراشه، فاقترح أحد الشباب الهائج: يا أبا الحكم أفلا نتسور على محمد باب بيته؟ أي: بما أنهم سيقتلونه فلم الانتظار الطويل؟! فقال أبو جهل: لا واللات، حتى لا نفزع بنات محمد. فمحمد خصمه، لكنه يأبى أن تتحول الخصومة لبناته، ولو من باب التفزيع.
وعندما جاء الصباح وفتح الباب، فوجئ بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يقم بقتله، وقد استخدم أداة لخداعهم، لكنه لم يفعل لا هو ولا الشباب المشرك، وذهبوا إلى بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فلم يجدوهما، وفي لحظة غضب، قام أبو جهل بلطم أسماء بنت أبي بكر، وعرف أنها وصمة عار يعير بها، فاستحلفها بكل غال لديها ألا تخبر أحدا كي لا يُعيَّر بها بين الناس.
كانت هذه ثقافة كفار قريش في جاهليتهم، الذين لا يزعمون أنهم خير أجناد الأرض، وعندما هزم الكفار في غزوة بدر، وقتل عدد من ساداتهم، وخرجوا للثأر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم في طريقهم للمدينة، مروا على قبر السيدة آمنة بنت وهب، أم النبي صلى الله عليه وسلم، فاقترحت عليهم هند بنت عتبة أن ينبشوا قبر آمنة، لأنهم لا يضمنون أن ينالوا ثأرهم من محمد وأصحابه، فرفض أبو سفيان وكفار قريش، وقالوا: لا نفعلها، فيحاكينا العرب، فتلصق بنا أن قريشا أول من نبشوا قبور النساء، أو قبور خصومهم. لهذه الدرجة كانت حرمة النساء تراعى عند كفار قريش؛ عباد الأصنام، تراعى المرأة حية وميتة، وعظاما بالية، لا يساء إليها، ولا تكون بديلا للانتقام والتشفي، أو مجالا للمساومة.
بل أكثر من ذلك، ربما يلقاها الكافر المشرك في الطريق وهي مسلمة وزوجة لخصم له، فلا يتجرأ للنيل منها، أو المساس بها، بل يحميها من أي عدوان، وهذا ما حدث مع أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، قبل زواجها برسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما هاجرت من مكة إلى المدينة بعد هجرة المسلمين في قصة طويلة، فهاجرت وحدها، فلقيها أحد كفار قريش، وصحبها طوال الطريق الوعر الموحش، متوشحا سيفه للدفاع عنها وقت الحاجة، وعلى مشارف المدينة المنورة أشار لها المشرك أن زوجك هنا، ثم عاد إلى حيث أتى، لم يرفع بصره إليها، ولم يأخذها غنيمة باردة لكفار قريش مادة للمساومة، بل فعل ما لا يفعله إلا مسلم يخشى الله، لأن الأخلاق مركوزة في نفوس الرجال ذوي الفطرة السليمة، أما المشوه خُلُقيا كالسيسي وأمثاله، فهم كائنات خلقت لتجعلنا نترحم على أخلاقيات الجاهلية التي أصبحت هذه الكائنات سببا لاستدعائها، والاستشهاد بها، لنقارن بين رجال الجاهلية بأخلاقهم، وأشباه الرجال، الذين يتحكمون في أشباه الدول.
[email protected]