مقالات مختارة

قطر ومسار الأزمة الخليجية

1300x600
1300x600
كثر الحديث عن سيناريوهات الأزمة القطرية ما بعد انتهاء المهلة المحددة للاستجابة لمطالب الدول المقاطعة والمحاصرة لدولة قطر؛ وما بين سيناريوهات متشائمة وأخرى متفائلة، فإن مسار الحوار قد توقف وانتهى على الأرجح، منهيا أغلب السيناريوهات المطروحة، عاكسا مسار الأزمة الخليجية التي خلقت سيناريوهات جديدة أبرز ما فيها التحالفات الجديدة التي برزت إلى السطح، واحتلت مكانها في الساحة الإقليمية، مع احتمال تطويرها وتوثيقها لتبلغ مستويات أعلى مع كل من تركيا وإيران مستقبلا، راسمة مسارا جديدا يعكس التحول في المنظومة الإقليمية المنهارة في الخليج العربي.


لا يوجد سيناريو مستقبلي متوقع، بل مسار عام بات واضحا للمراقبين يتضمن مزيدا من التصعيد والتحولات الإقليمية في بنية التحالفات وطبيعتها وغاياتها؛ والأهم من ذلك إعادة بناء المنظومة الخليجية الاقتصادية والسياسية، لتتناسب مع الواقع الجديد المتولد عن خطوات المقاطعة والتصعيد المتبعة ضد قطر، التي بلغت حد القلق من التهديدات العسكرية.

بنية البيت الخليجي تبدلت تلقائيا، وهنا محل البحث والتمحيص والدراسة فهي المسار الطبيعي المتخلق عن الأزمة الخليجية؛ فالتدقيق والمراقبة يجب أن تختص بالتداعيات الاقتصادية البنيوية والأمنية على الخليج العربي؛ فخطوة المقاطعة أنتجت مزيدا من الضغوط والأزمات التي أسهمت في تفكك بنية المنظومة الخليجية التقليدية، مطلقة مسارا جديدا وسيناريوهات مستقبلية لم يعد بالإمكان التحكم بها من قبل قادة المنظومة القديمة.

فالمسار الجديد تبرز فيه أهمية التدقيق في التداعيات البنيوية على الاقتصاد الخليجي في دراسة تأثير ذلك على كل من عمان وقطر وإيران؛ فالتحولات الجديدة ستدفع نحو إيجاد منظومة اقتصادية جديدة موازية للمنظومة السعودية الإماراتية؛ خصوصا أن مسقط تظهر حماسة كبيرة تجاه هذه التطورات التي ستنعكس إيجابا على اقتصادياتها وموانئها، وخصوصا ميناءي صلالة وصحارى؛ ما سيسمح بتطوير بنيتها التحتية وإضافة قطاعات ومنشآت جديدة وعلاقات تجارية بينية، تتجاوز المركزية التي اتسمت بها اقتصادات الخليج قبل الأزمة؛ والتي تميزت بالاعتماد على النشاط السعودي والإماراتي في المنطقة. 

التداعيات الاقتصادية والبنيوية ذاتها ستظهر آثارها ونتائجها خلال الشهور والسنوات القليلة القادمة، بشكل يساعد على التكيف باتجاه إيجابي لدى عدد من الدول الخليجية وعلى رأسها قطر وعمان والكويت؛ وسيمتد تأثيره إلى إيران والعراق وتركيا التي ستصبح لاعبا اقتصاديا مهما تتجاوز مكاسبه الخسائر المحتملة من التصعيد مع الرياض وأبو ظبي، خصوصا ان الآفاق باتت واعدة ومثمرة.

فتركيا رغم الانقلاب، تمكنت في الأشهر الأخيرة من تجاوز المرحلة الحرجة واستعادة النشاط الاقتصادي فاعليته وحيويته، متجاوزا التوقعات السلبية التي توقع البعض ألا تتجاوز الـ3%؛ لتحقق أنقرة نسبة نمو 5% وبشكل مفاجئ؛ بل إن الأخبار المتشائمة التي تحدثت عن تراجع الصادرات التركية والمنشورة قبل أيام، دحضتها الأرقام والحقائق التي أشارت إلى ارتفاع الصادرات التركية إلى أكثر من 12% خلال شهر واحد؛ مفندة كل الأخبار الواهية التي تحاول الانتقاص من قوة الاقتصاد التركي.

وفي ضوء هذه الصورة، فإنه من المتوقع أن تدفع الأزمة الأخيرة قطر الى بذل المزيد من الجهود لتحرير اقتصادها وتفعيل نشاطها، الذي سيحظى باهتمام عدد من الدول الراغبة في التغيير والتحرر من المركزية التقليدية للمنظومة الخليجية؛ لتتمكن من التكيف مع التحولات والتبدلات؛ مخلقة بذلك مسارا جديدا وقدرا كبيرا من الاستقلال عن المنظومة الخليجية الاقتصادية، بالانفتاح على العراق وإيران وتركيا وعمان وساحات جديدة ستعتبر واعدة للاقتصاد القطري.

ما ينطبق على الاقتصاد ومساره سينطبق على واقع البنية الأمنية التي بدأت تتشكل على وقع التحالفات الجديدة، التي كان من أبرزها الإعلان عن قاعدة عسكرية تركية تقلص حجم الاعتماد على المنظومة الأمنية الأمريكية؛ بإعطائها قطر مزيدا من التحرر والاستقلال السياسي في ظل توازنات جديدة تخلقت على وقع التحالفات الجديدة؛ بل تدعيمها بعلاقات أكثر انفتاحا وموضوعية مع طهران والعراق ومسقط، التي لا تبتعد في رؤيتها الأمنية والسياسية لواقع الخليج العربي عن هذا التصور الآخذ في التشكل؛ مفقدة دول المركز التقليدية في الخليج العربي قدرا من نفوذها وتأثيرها التقليدي المعتاد.

مسار الأزمة القطرية سيخلق واقعا جديدا يتناسب مع حقيقة التبدلات الحاصلة في المنظومة الإقليمية التقليدية المتآكلة والمنهارة في المنطقة العربية والإقليم؛ التي تقادم عليها الزمن وعانت من قصور كبير، عززه الكيان الإسرائيلي بتقديم مشاريع تزيد من حدة الاستقطاب الإقليمي ومن عمق وحدة الأزمة الاجتماعية والسياسية، في الدول الساعية للتقارب والتماهي مع المشروع الإسرائيلي التقليدي؛ الذي طالما روج للهيمنة الصهيونية ومارسها؛ إلا أنه لم يتمكن من تصفية القضية الفلسطينية، ما جعله قاصرا رغم المشاريع الكبرى المقترحة التي واجهتها العديد من الانتكاسات منذ توقيع كامب ديفيد قبل أربعين عاما.

فالتطورات الأخيرة تشير إلى أن مسار الأزمة الخليجية خلق واقعا جديدا ذا طابع بنيوي أمني واقتصادي وسياسي؛ تتفوق كثيرا على السيناريوهات ذات الطابع التكتيكي للتفاعل مع الأزمة وتشكيل معالمها الآنية؛ فكل سيناريو سواء كان متشائما أو متفائلا أسهم بشكل أو آخر في توليد حقائق رسمت معالم المسار الجديد وشجع عليه؛ فالرؤية الاستراتيجية للإقليم باتت تعتمد على حجم التحولات البنيوية وليس على حجم ردود الفعل المتوقعة، أو السيناريوهات  المخطط لها لتكريس واقع مأزوم؛ التي تجاوزها المسار العام للأزمة وجعلها أثرا بعد عين؛ معلنا بذلك عن إرهاصات تشكل منظومة جديدة في المنطقة بعيدا عن الطموحات التقليدية التي تولدت منذ أربعين عاما.

فالعبرة باتت في مسار الأزمة الخليجية وليس في السيناريوهات المحتملة، التي تعكس حالة التصارع ما بين منظومة إقليمية قديمة ومتهالكة تحاول البقاء والتحالف، مع منظومات قديمة موازية تعاني من القصور؛ ما يعني أن زخم التغيير بات كبيرا يصعب وقفه إلا من خلال مواجهة إقليمية مع إيران وروسيا؛ أمر لا ترغب الولايات المتحدة في خوض غماره دون تفكيك التحالفات الجديدة، التي تضم إيران وروسيا وتتعاون معها أنقرة بين الحين والآخر.

فمسار الأزمة الخليجية بات واضحا وثابتا بعد فشل الحوار، في حين أن مسار المواجهة مع إيران بات مرهونا بتعاون موسكو، التي تظهر ممانعة سنناقشها في المقال التالي، الذي سيتناول لقاء ترامب وبوتين الأسبوع القادم في هامبورغ، والمترافق مع استعراض عسكري أمريكي في المتوسط برسو حاملة الطائرات جوج بوش قبالة ميناء حيفا.

السبيل الأردنية
0
التعليقات (0)

خبر عاجل