لم يتخيل المجرم الذي حاول دهس المصلين في لندن الأسبوع الماضي أنه سيحول المكان لقبلة لكل القادة السياسيين البريطانيين من أول زعيم المعارضة جيرمي كوربن إلى الأمير تشارلز ولي عهد البلاد مرورا برئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي. ولم يدر في باله أن الذي سينقذه من الجموع الغاضبة التي أمسكت به بعد جريمته هو إمام المسجد وأن هذا الإمام سيصبح بطلا في الصحافة البريطانية ووسائل الإعلام خاصة تلك التي طالما استهدفت المسلمين بتغطيات منحازة تنضح بالإسلاموفوبيا.
يبدو للوهلة الأولى أن الاعتداء حول الانتباه بشكل عام إلى مشاكل المسلمين ومواساة للجالية المسلمة البريطانية. لكن في الحقيقة فإنه لا شيء يعوض الروح التي أزهقت تحت عجلات شاحنة هذا المتطرف الأبيض فضلا عن الجرحى وحالة الفزع التي انتابت كثيرين جراء هذا الفعل. رد الفعل الشعبي ووفود المعزين حاملي الورود للمسجد هو جهد مشكور لكن رد الفعل الرسمي ينقصه الكثير. فهذه الحادثة هي إحدى الحوادث الصادمة للرأي العام الرسمي والشعبي البريطاني الذي كان ينكر كثير منه خطورة التطرف الأشقر واليمين المتطرف والذي يتعامل مع مشاكل الإسلاموفوبيا بكثير من الاستخفاف.
لقد وقعت هذه الجريمة بعد أيام من حريق مروع اندلع في بناية غرينفيل وهي مساكن شعبية وسط لندن مكونة من 24 طابقا، وكثير إن لم يكن معظم سكانه من العرب والمسلمين. وهي حادثة ظهر فيها بوضوح قصور إجراءات الأمن والسلامة في مثل هذه المساكن واتجهت أصابع الاتهام للحكومة والسلطات المحلية بسبب تقاعسهم عن منع الكارثة وعن التعامل معها ومع الضحايا. بعدها بدأ الاهتمام ينصب على معاناة الطبقات الوسطى والدنيا في بريطانيا ومشاكلهم. اللافت أن سكان المكان كانوا يحذرون من فترة من قصور إجراءات مكافحة الحريق وكتبوا عبر مدونة أنهم يشتكون للبلدية ولا مجيب وقالوا بأن الجميع لن ينتبه للمشكلة إلا بعد أن تقع كارثة. وللأسف وقعت الكارثة ولن يفيد أي انتباه مئات القتلى والجرحى.
إن مَثل أوضاع المسلمين في بريطانيا كمثل بناية جرينفيل، تحيط بهم مخاطر الإسلاموفوبيا من كل جانب ويدق كثير منهم ناقوس الخطر ولا حياة لمن تنادي. وحدها الكارثة هي التي حولت الانتباه قليلا لهذه القضية. والسؤال هنا ماذا لو كانت زيارات هؤلاء المسؤولين البريطانيين رفيعي المستوى متكررة للمساجد والمراكز الإسلامية وكان هناك اعتراف بخطورة الإسلاموفوبيا؟ ألم يكن ذلك ليمنع كثير من الكوارث والمظالم من الحدوث؟
إن ما يظهر في وسائل الإعلام حول الاعتداءات على مسلمين ما هو إلا قمة جبل الجليد من مشاكل اجتماعية كثيرة. كما أن جهود الحكومة بعد حادثة استهداف المصلين خارج المسجد هي مجرد رد فعل وقتي. فتكثيف بعد الدوريات الأمنية قرب المساجد ليلا سيختفي بعد رمضان والتعامل الأمني مع مثل هذه الأفعال يغفل جذور الإسلاموفوبيا الذي يطال الطلاب والتلاميذ في المدارس والعاملين في أماكن مختلفة وترصدها عدة تقارير متواترة. على سبيل المثال فإن شرطة مانشستر أعلنت قبل يومين أن نسب بلاغات الاعتداءات على مسلمين زادت بنسبة خمسمائة في المائة في أعقاب حادثة تفجير حفل موسيقي الشهر الماضي. كما صدر تقرير مطلع الشهر الحالي عن الإسلاموفوبيا في مدارس مدينة إدنبرة الاسكتلندية أعدته منظمة "اسكتلندا المناهضة لتجريم المجتمعات المحلية" والذي كشف أن نسب الإسلاموفوبيا في مدارس المدينة وصل إلى معدلات مقلقة. إذ كشف أن ما يزيد عن خمسين في المائة من الطلاب المسلمين في المدارس الابتدائية والثانوية قد تعرضوا لاعتداءات لفظية على خلفية كونهم مسلمين.
بريطانيا وكثير من الدول الأوروبية ليست جحيما يعيش في المسلمون لكنها أيضا ليست جنة وردية كما يعتقد البعض تعطى فيها الحقوق المدنية والدينية بشكل آلي من دون كفاح ومعاناة. وقضية الإسلاموفوبيا هي مرض العصر للمسلمين القاطنين في الغرب وهي مرض اجتماعي في المقام الأول يؤثر على نسيج المجتمعات وتماسكها، والوقاية من هذا المرض خير من العلاج وهذا لفائدة الدول الغربية بالأساس قبل أن يكون لفائدة المسلمين.