بعد أكثر من عامين على بدء عاصفة الحزم في اليمن ها هي القوة العسكرية الثانية في التحالف العربي (الإمارات) تحول المهمة الأساسية لهذا التحالف إلى ما يشبه السطو المافياوي المسلح.
فالمناطق المحررة ليست محررة في الحقيقة، بل دخلت مرحلة أشد سوء عنوانها القمع الذي تحولت معه أفضل مرافق الدولة من مطارات وموانئ ومكاتب إلى معتقلات سرية للإخفاء القسري والتعذيب الممنهج الذي يطال معظمه الكوادر السياسية والناشطين والمنخرطين في حقل النضال من أجل استعادة الدولة.
قبل أن تتوالى التقارير الاستقصائية التي أعدتها ونشرتها مؤسسات إعلام غربية عن المعتقلات السرية التي تديرها الإمارات في جنوب اليمن لم يكن أحد ليصدق هذه المعلومات، ولكن هذه الممارسات وقعت ولا تزال تقع .
لقد نجحت تلك التقارير في استدعاء المنظمات الحقوقية الدولية المعروفة التي قامت بعمليات استقصائية وفق منهجها الخاص لتصل إلى النتيجة نفسها. هناك أكثر من ألفي معتقل مغيبين في سلسلة من السجون التي أنشأتها الإمارات في جنوب اليمن وبالتحديد في عدن وحضرموت.
هذا العدد في ازدياد مستمر، لأن عمليات الاعتقالات والمداهمات الليلية لم تتوقف، وقائمة المستهدفين في ازدياد، إنهم بالتحديد أولئك الذين يعملون تحت مظلة الشرعية ويتحدون في مهمة استعادة الدولة بالمواصفات التي حددتها ثورة الحادي عشر من فبراير، 2011، وأعيد تثبيتها في وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل الذي انعقد على مدى عام كامل واختتم بنجاح في 25 كانون الثاني/ يناير 2014.
سارعت الخارجية الإماراتية إلى نفي ما جاء في تقارير منظمات دولية بحجم "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" ولم تكن لتفعل ذلك حينما كانت هذه المعلومات تصدر عن منظمات محلية ولكنها جادة ورصينة مثل "منظمة سام" التي نجحت بالفعل في تحريك المياه الراكدة وشد انتباه العالم إلى الجانب المظلم في المهمة العسكرية للإمارات في اليمن.
الخارجية الإماراتية لم تتردد أبداً في الادعاء بعدم صحة ما تحدثت عنه تقارير المنظمات الدولية، ولم تخجل كذلك عن الادعاء بأن ما تقوم به الإمارات في اليمن يتطابق مع المعايير الدولية، بل أن بيان الخارجية الإماراتية تحدث عن مليارات الدولارات التي أنفقتها هذه الدولة لإعادة الخادمات وتأمين الكهرباء، وهذا غير صحيح تماماً، فالمحطة الكهربائية الوحيدة التي أنشئت في عدن كانت بتمويل قطري، وقد استخدمت الإمارات نفوذها في عدن لكي تمنع تشغيل هذه المحطة، وعندما لم تنجح في تعطيل افتتاح هذه المحطة وبدء تشغيلها سخرت الإمارات عملاءها لمواصلة تعطيل المحطة حتى لا يحسب هذا الإنجاز على دولة قطر.
العنوان الأبرز اليوم هو أن الإمارات تدعم واحدة من أكثر التدخلات الخارجية سوء وسوداوية، في شأن بلد آخر هو اليمن، وتعمل دون توقف وباستعلاء لا يطاق، على تصدير خبراتها السوداء في إدارة المعتقلات والأعمال القمعية التي تحولت معها الإمارات إلى امبراطورية شر لم تسلم منها دولة في منطقتنا.
إنها تحرف مهمة التحالف بشكل كامل صوب مهام إن استمرت بهذه الوتيرة فإن الثورة الحقيقية سوف تندلع في اليمن ولكن هذه المرة ضد دول جاءت محمولة على ادعاءات تحرير اليمن، ولكنها اليوم تكرس واحداً من أسوأ نماذج الاحتلال، الذي يمزق النسيج الاجتماعي ويثير النعرات ويخلق بيئة غير ملائمة للعيش المشترك، قبل أن يمزق الجغرافيا ويصادر الحقوق السيادية للبلاد.
استطاع محمد بن زايد أن يخبئ مشروعه التدميري في اليمن، في ظل المهمة الأمريكية التي تنصب بشكل رئيس على مكافحة الإرهاب، ولا ترى في اليمن سوى أنه ساحة للمنظمات الإرهابية من القاعدة إلى داعش، وأن الأولوية تنصب على محاربة هذه التنظيمات، دونما اكتراث بحقيقة أن مهمة كهذه تحتاج أولاً وأخيرا إلى تقوية وتعزيز نفوذ الدولة اليمنية المعترف بها دولياً إلى جانب أن الحقائق برهنت على أن ما يوصفون بالإرهابيين هم أقل الأطراف حضوراً في ميدان المواجهات ما يؤكد على أنهم مجرد واجهة وأوراق للعب في ميدان حساس للغاية.
ومن المفارقات أن محمد بن زايد وقواته في اليمن يستعينان في مهمتهما المزعومة لمكافحة "الإرهاب" بعتاة التطرف الفكري السلفي المحسوبين على التيارين الجامي والمدخلي، نسبة إلى كل من محمّد أمان الجامي الهرري الحبشي ، وربيع بن هادي المدخلي.
ومنذ بداية دخولها عدن والقوات الإمارات تحتضن هذه العناصر وتستخدمها أدوات فعالة في الوصول إلى أهدافها السياسية إلى جانب نشطاء الحراك الجنوبي المنفلت الذين انخرطوا ضمن المشروع الإيراني وتلقوا تدريباتهم العسكرية والسياسية في الضاحية الجنوبي.
لا يتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب هذه كذبة ممجوجة ومفضوحة، فالآلاف الذين يقبعون في سلسلة من السجون السرية التي أنشأتها الإمارات في اليمن ليسوا كلهم إرهابيين، أكثرهم سياسيون ويجري تصفية الحسابات السياسية معهم في إطار استكمال الثورة المضادة التي تمولها الإمارات وكانت قد بدأتها منذ 2011، ونجحت في مصر وتحاول أن تحقق النجاح ذاته في اليمن، وفي ليبيا، وفي سوريا.
النموذج الإماراتي السيئ انتقل الآن إلى الساحل الغربي للبلاد، فقد تحول ميناء المخا التابع لمحافظة تعز إلى مقر للقوات الإماراتية وتحول بالتالي إلى منطقة عسكرية مغلقة، هذا يعني أن ثاني أهم ميناء في الساحل الغربي أغلق الآن أمام حركة الملاحة التجارية، وبات أكبر تكتل سكاني في البلاد بلا ميناء، إذ أن جزء من الواردات التي كانت تغطي احتياجات سكان محافظتي تعز وإب (إقليم الجند) كانت تأتي عبر ميناء المخا.
ليس هذا فحسب، فالعشرات من صيادي مدينة المخا يعانون من البطالة لانهم منعوا من استخدام حرم الميناء حيث تتركز محطات الإنزال السمكي.
الإنجاز الثاني للقوات الإماراتية في المخا هو إنشاء الحزام الأمني والمعتقل، والذي يستخدم اليوم في ترويض سكان المدينة وقواها السياسية والاجتماعية، ويجري حالياً إعادة الهندسة الاجتماعية لهذه المنطقة الهامة، وتمكين ما يسمى الحراك التهامي والمقاومة التهامية من الهيمنة على مدينة المخا إلى جانب المقاومة الجنوبية في محاولة مكشوفة لفصل المخا عن عمقها البشري والجغرافي الذي تمثله محافظة تعز.