حماس في ضائقة منذ سنوات طويلة ومنذ أن أعلنت عن نفسها أنها حركة مقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني، لكنها ضائقة تصاعدية ومعقدة، أي أنها تشتد مع مرور الأيام ويتسع نطاقها مع كل هزة تحصل في المنطقة العربية الإسلامية.
إنها تعاني من الحصار والمقاطعة والملاحقة، ومعها قطاع غزة وشعبنا الفلسطيني الغزي، والمضيقون على حماس لا يميزون بين التنظيم والناس، فيعاقبون الجمهور عل وعسى أن يهب هذا الجمهور يوما في مواجهة حماس، فيسقطها وينهي المقاومة في غزة، وتستتب الأمور لإسرائيل وفق هواها، وكقاعدة أساسية لا تتغير، هناك يقين بأن تبقى حماس تحت النار والضغط والحصار ما دامت تقاوم إسرائيل، وسيقاومها العرب قبل غيرهم، ومع الأزمة القطرية، تتعرض حماس لهجمات جديدة، خاصة من قبل السعودية.
تتحمل حماس جزءا غير يسير من الضائقة التي تشتد وتتسع، وذلك بسبب أخطاء استراتيجية وقعت فيها، وليس فقط لأسباب تكتيكية وعرضية، منذ البداية تم توجيه نصائح متكررة لحماس بعدم خوض الانتخابات عام 2005، ونُصحت أيضا بعدم تشكيل الحكومة بعد الفوز، وبرغم كل التحليلات والمبررات التي قدمها الناصحون، إلا أن حماس لم تستمع، وهذه مشكلة استراتيجية عند حماس وكل التنظيمات الإسلامية، وهي أنها لا تثق بأحد من خارج عناصرها، وتلقي دائما بالنصائح جانبا، على الرغم من شكرها اللفظي للناصحين، الحركات الإسلامية لا تلقي أذنا لنصيحة، على اعتبار أن عقيدتها هي دليلها، وهي عقيدة شاملة وعامة، ولن يضيف الآخرون الذين لا يتبنون ذات المنهج والمقاربة شيئا إلى المعرفة.
وربما بنت حماس عقب فوزها في الانتخابات وتشكيل الحكومة على البزّة الكحلية والربطة القرمزية أملا في فتح أبواب الحوار مع القوى الاستعمارية الغربية، لكن ذلك كان بعيدا؛ لأن أهل الغرب لا يعيرون اهتماما قويا للمظهر، وإنما دائما ينتبهون إلى الإجراءات، وربما كان الأمل بأهل الغرب أحد دوافع إصدار حماس لوثيقتها أخيرا، والتي لم تلب شيئا من شروط الرباعية أو ما يسمى المجتمع الدولي.
حماس لم تكن موفقة جيدا في إدارة قطاع غزة؛ حيث إنها لم تُقم النموذج الإسلامي الأخلاقي في إدارة شؤون القطاع، هناك من تفاءل في أن يكون قطاع غزة النموذج الإسلامي الراقي الذي يستقطب القلوب والمؤيدين، ويرفع قيمة وقدر الإسلام في أعين العالم، هذا لم يحصل، وبقيت الحركة متحوصلة داخل حزبيتها وانحازت لفئات دون أخرى وميزت بين الناس على أسس سياسية، كان المفروض أن تعمل جهدها لتثبت للعالم أنها ترسخ نمطا جديدا في التعامل والإدارة وإقامة العدالة، حماس ما زالت ضمن بوتقة الفئوية ولم تعمل على تغيير توجهاتها لتصبح حركة الشعب الفلسطيني.
شكلت حماس ومن معها من فصائل المقاومة نموذجا قتاليا فلسطينيا متميزا اتسم بالشجاعة والبأس والفن القتالي، واستطاعت أن تصد جيش إسرائيل في ثلاث حروب متتالية، لقد نالت قدرتها على الصمود والتصدي إعجاب العالم وإعجاب محيطها الفلسطيني والعربي، وبعثت الأمل في نفوس الناس وقلوبهم، لا أحد يستطيع أن ينكر الجهود العظيمة التي بذلتها ومختلف فصائل المقاومة في غزة في حفر الأنفاق والتصنيع العسكري والتنظيم والتدريب وتنقية الصفوف من الجواسيس والعملاء، لقد وصلت المقاومة الفلسطينية الليل بالنهار وسهرت وكدت وتعبت من أجل أن تكون قادرة على ملاقاة الصهاينة وإفشال نشاطاتهم الحربية.
لكن حماس أخفقت في جني نتائج سياسية لجهودها العسكرية وقدرتها الصلبة على المقاومة، لم تتمكن حماس من تغيير الخارطة السياسية في الأرض المحتلة/67، ولا حتى إقامة عنوان سياسي فلسطيني موحد خارج فلسطين، وتلك المفاوضات التي جرت في القاهرة بقيادة أحد منظري أوسلو لم تأت لقطاع غزة بأية فائدة، وذهبت الأشياء المتوخاة من صمود عام 2014 أدراج الرياح، صمدت في وجه الصهاينة ولم تستطع استثمار هذا الصمود لإحداث تحولات سياسية فلسطينية، حتى أن حماس لم تستطع أن تضع شروطا مسبقة لنجاح الحوارات الفلسطينية والتي تتمثل في إلغاء التنسيق الأمني والتحرر من الاعتراف بالكيان الصهيوني، واشتراط عودة اللاجئين الفلسطينيين قبل البحث في إقامة سلام في المنطقة، والأدهى أن حماس لم تستطع صياغة آليات لضمان نجاح صفقة وفاء الأحرار، أعادت إسرائيل اعتقال العديد من المحررين، وامتنعت عن تحرير الفوج الرابع المتفق عليه،
الخطأ الحمساوي الأشد مرارة أنها دائما غلبت المذهبية والحزبية على مبدأ المقاومة وهذا التغليب أوقعها في شراك صعبة مع جهات عربية وغير عربية وبالتحديد مع سوريا ومصر والعراق وإيران وحزب الله، لقد تسرعت حماس في توقعاتها لنتائج الحراك العربي وتصرفت على أساس أن الفكرة الإسلامية ستسود وأن الحكومات العربية القادمة ستكون مؤيدة للمقاومة ضد إسرائيل، وداعمة للمقاومة في غزة، لقد أخطأت في تقدير الموقف في سوريا وفي مصر وفي تونس وبقية البلدان العربية، حماس كتنظيم لم ترسل مقاتلين للتدخل في الشؤون العربية الداخلية لكنها وظفت وسائل إعلامها بغرض التحريض والانحياز لفئة ضد أخرى، وكذلك فعلت فيما يتعلق بنشاطاتها الاجتماعية والسياسية والدينية، أرادت حماس أن تقطف الثمار قبل أن تنضج فانقلبت عليها.
ولم تكن حماس موفقة بتاتا في الخروج من سوريا إلى قطر، قطر دولة صغيرة ولا تملك مقومات الدفاع عن نفسها أو الدفاع عن أصدقائها، وقطر محمية أمريكيا ولن توظف أمريكا قواعدها العسكرية في قطر للدفاع عن حماس، لقد أخرجت حماس نفسها من بيئتها المتناسبة مع الرغبة في المقاومة إلى بيئة لا تؤمن بالمقاومة وتقيم علاقات جيدة مع إسرائيل، ومن المحتمل جدا أن قطر لم تستقبل قيادات حماس إلا بعد التشاور مع إسرائيل، أدارت حماس ظهرها لحزب الله وإيران وسوريا وهي الجهات التي طالما قدمت لها الدعم والمساندة.
لا يوجد سياسي على قدر من المنطق يقوم بمثل هذه الحركات غير المدروسة، ربما راهنت حماس على تركيا لتشد أزرها وتدعمها، لكن تركيا تستطيع تقديم دعم سياسي ومالي وغذائي، ولا يمكن أن تتجاوز إلى تقديم دعم للمقاومة، تركيا في حلف الناتو، وهي تقيم علاقات جيدة مع إسرائيل، ولا يمكن الرهان عليها في التسليح والتنظيم والتدريب.
باختصار، حماس مقاتلون أشداء وسياسيون غير موفقين، ومن المفروض أن تضع حماس رأسها بين يديها، وتفكر في خطواتها القادمة؛ لضمان استمرارها في المقاومة، وإدارة دفة شؤون الناس في غزة، والنصيحة أن تعود إلى بيئتها وتتخلى عن الأبعاد المذهبية والحزبية في صياغة علاقاتها. الآن قررت قطر طرد بعض الحمساويين من أراضيها، وغدا ستطرد القيادات السياسية، الضغوط على قطر هائلة، وهي لا تتحملها، ولا خيار أمامها سوى الاستجابة، قطر تركت نفسها دون ظهير قوي، لكن حماس تخلت عن ظهرها.