مضى أكثر من أسبوعين على اندلاع ما باتت تعرف بـ"الأزمة الخليجية"، وهي أخطر أزمة تهدد آخر بؤر الاستقرار في هذه المنطقة الهشة والمضطربة، وتبعث المخاوف لدى اليمنيين من أن مصير بلدهم بات مرهونا بإرادة دول غير مأمونة الجانب، ويفتقد سلوكها السياسي للحد الآمن الذي يسمح بتوقع ما سيحدث في المدى المنظور.
أساس هذه الأزمة الخطيرة هو الطموحات السلطوية للجيل الشاب من ورثة السلطة في الإمارات والسعودية اللتين تواجهان سيناريوهات مفتوحة للصراع على السلطة على عكس الحال بالنسبة لقطر التي باتت مستقرة في هذا الجانب وبات بوسعها أن تحدد معالم سياستها وخطوط تحالفاتها الخارجية بوضوح.
تختفي طموحات الساعين إلى السلطة خلف المحاولات المعلنة للإمارات والسعودية، لاحتواء الدور القطري الإقليمي والدولي، الذي يتمتع بهامش كبير للمناورة يكفي لفضح حالة الارتهان المفضوح للإرادة الإسرائيلية الأمريكية من جانب أبو ظبي والرياض سعيا وراء تكريس نفوذهما الإقليمي، الذي بات واضحاً أنه يقف على النقيض من الثوابت الراسخة للأمة وفي مقدمتها الالتزام تجاه تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي.
لم نعد أمام حالة غير قابلة للتصديق فيما يتصل بادعاءات الهيمنة الإسرائيلية على القرار الإقليمي، ووقوف أهدافها خلف ما يجري من تحضيرات للزج بالمنطقة في أتون حرب مدمرة لا سمح الله.
فهذا بات واضحا للعيان، إذ ليس هناك أوضح من تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وهو يتحدث باسم حكومة خادم الحرمين الشريفين، في العواصم الأوروبية التي زارها، مبرراً الحصار غير المسبوق الذي تفرضه بلاده على قطر بأنه إنما يأتي على خلفية دعم قطر للإرهاب، الذي يتجلى في إيوائها قيادات من حماس، إدراكاً منه أن مبرر كهذا سيقدم رسالتين مزدوجتين في وقت واحد.
الأولى: أن السعودية تتخلص بالفعل من ارتباطها المزمن بظاهرة الإرهاب التي تتلبس ثوب السلفية الجهادية وجذرها الفكري "الوهابية" بالبرهنة على أن هذا الثوب تلبسه قطر لوحدها في هذه المرحلة.
وثانياً: أن السعودية أقرب من أي وقت مضى من الرؤية التي تحاول الحكومة الإسرائيلية فرضها على العرب والفلسطينيين للحل، وهو الاستسلام مقابل السلام.
تبدو المملكة منقادة وراء طموح محمد بن زايد الذي يريد إعادة تشكيل المنطقة وفق رؤيته التي تتأسس على كراهية لا حدود لها للإسلام السياسي، على نحو تشعر معها إسرائيل بأنها لم تعد بحاجة إلى أن تنفق فلسا واحدا لأجل تغذية الصراع في العالم العربي، أو حتى للخوف من قيامة عربية جديدة، بعد أن سخرت الإمارات كل مواردها الضخمة لوأد القيامة الكبرى التي تجلت في ثورة الربيع العربي في شتاء 2011.
تدفع قطر ثمن الهامش المتاح لها من الحركة والنافذة التي تفتحها أمام الشعوب المخنوقة بالقمع والملاحقات والتعذيب والسجون، وتفترض السعودية والإمارات ومن خلفهما إسرائيل وأمريكا أن هؤلاء المقهورين هم الذين يتعين مواصلة قتلهم وتشريدهم وإجهاض حلمهم في الحرية، والتهمة جاهزة ومثالية إنهم "إرهابيون".
صدمنا نحن اليمنيين بقرار الحكومة قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وصدمنا أكثر أن الحكومة كررت الاتهام الجاهز لهذا البلد بأنه يدعم الجماعات المتطرفة.
تبدو الحكومة اليوم أكثر من أي وقت مضى حكومة منفى معزولة عن البلاد، ومهددة بالإطاحة بها في أي وقت، فالتحالف أظهر أن تدخله في اليمن استند إلى هذه الشرعية الركيكة الضعيفة المنفصلة عن الواقع.
وكان أجدر به أن يدع الحكومة المنفية وشأنها، على الأقل، لكي يحافظ على مصداقية تدخله في اليمن.
معركة التحالف توقفت تقريباً في اليمن، وطلعات الطيران مكرسة على ما يبدو لتتبع مخازن الصواريخ التي تبجح المخلوع صالح بانه لايزال يمتلك الكثير منها، ولم يعد معنياً بإسناد أهم معركة تدور حالياً في تعز ولم يعد معنياً أيضاً بحسم وضع الحديدة.
تسعى الإمارات في نهاية المطاف إلى استئصال قوى التغيير والإطاحة بحكومة هادي، وإعادة إنتاج نظام المخلوع صالح، والمضي قدماً في خطة تقسيم البلاد بما يسمح لها بالهيمنة والنفوذ على الجزء الجنوبي من اليمن.
ليس هناك تطابق في المصالح بين الرياض وأبو ظبي في اليمن، والتطابق هو في النوايا السيئة التي لا تريد يمنا متعافيا بل يمنا منهكا مع وجود أولوية سعودية ربما لخفض مستوى الخطر الآتي من إيران وأدواتها، وهو الخطر الذي لا تشعر به أبو ظبي ولا تكترث لأجله.
إننا في اليمن، نشعر أكثر من أي بلد آخر أن الحرب الحالية ضد قطر تهدف فيما تهدف إليه إلى خلق بيئة مواتية لترتيبات خطيرة للغاية تستهدف بلدنا، بعيداً عن قطر وإعلامها وأذرعها الناعمة.
لا أسوأ من أن نفقد الأمل بدولة كبيرة مثل المملكة. كنا نشعر بالقلق كلما تحرك الكونجرس الأمريكي لفرض قانون "جاستا" لمعاقبتها، ونقول: إنه استهداف للدولة الضامنة في منطقتنا، أما وقد تحولت إلى قوة عمياء.. فهو والله الخطر الذي تهون أمامه كل المخاطر.