كانت إيران صنو الإرهاب في تصدّر أجندة قمم الرياض الثلاث. لكن الأمر بدا أشمل من تنسيق الجهود والمواقف في وجه التحديات، ليطال قضايا أخرى، تعطي مجتمِعة معنى التاريخية لتلك القمم.
صحيح أنّ العلاقة الأمريكية ـــ السعودية والأمريكية ـــ الخليجية عادت اإى سويّتها المألوفة في التاريخ البيني، لكن الصحيح أيضا، أنّ المرحلة الأسوأ مع إدارة باراك أوباما، كانت سبقتها مرحلة ملتبسة بدأت غداة أحداث أيلول 2001، وشهدت تصاعدا في وتيرة الخروج عن بديهيات السياسة والاقتصاد والطاقة، لتطال مسائل وأسئلة لم تكن مطروقة سابقا، وجلّها يتصل بالإسلام في ذاته، وبالتعبئة التربوية التي أفضت إلى نموّ ظاهرة الإرهاب ثم انفجارها بطريقة مدمّرة!
جاء أوباما وجعل هذا الهامش في العلاقات، هو الأصل! وساعدته إيران في ذلك، وساعدها في غيره! والتلاقي تمَّ على عناوين سياسية ومسائل استراتيجية تهمّ كل العالم وليس الطرفين، وفي مقدّمها «المشروع النووي». لكن خطيئة الإيرانيين الكبرى كانت في محاولتهم تسويق خبرية وجود «نمطَين» من الإسلام وليس نمطا واحدا! وإن أحدهما (الموجود في السعوديّة!) هو المصدر الفكري للإرهاب! وثانيهما (الموجود في إيران!) هو المنقذ الفكري (أيضا!) من ذلك الإرهاب!
هذا اللغو التخريفي أنتج في المحصلة كارثتين كبيرتين. الأولى تعبئة عالمية ضدّ المسلمين في الإجمال، من دون التوقّف عند الفوارق التي أرادت إيران تغذيتها! والثانية تفجير الفتنة المذهبية بعد خمودها على مدى 14 قرنا!
وقُصر النظر صاحب اللغو. بحيث إنّ الإيرانيين يدفعون اليوم، أو يستأنفون، دفع أثمان قراءاتهم المذهبيّة والقومية، وسياساتهم التي استندت إلى لحظة أوبامية عابرة! فيما ظنّهم التعيس كان أنها دائمة! ويشاهدون راهنا، وسيشاهدون أكثر في الآتي القريب، نتيجة واحدة لا تخطئها عين صافية: خسروا «الأمة» بالفتنة ولم يربحوا الغرب ولا الأمريكيين! مثلما لم يربحوا طموحهم «النووي» الذي كان ليضعهم في سويّة دولة مثل باكستان!
وغشاوة النظر المتأتّية من كثرة الشحن القومي والمذهبي، والغلو في الأدلجة الخلاصية، جعلتهم عاجزين عن رؤية الاستحالة حتى في الوصول إلى الحالة الباكستانية نوويا!! «طبيعة» نظامهم غير الموثوق تجعل من إجهاض محاولتهم لامتلاك قنبلة إفنائية، موضع إجماع أمريكي وإقليمي ودولي لا نظير له! وعابر فوق أي خلافات أو اختلافات!
قمم الرياض الثلاث، تُسدل الستارة على ذلك الفصل، وتصفّي الحساب العالق بين المسلمين (والإسلام!) من جهة، والغرب من جهة أخرى! وتطلق شيئا من «المصالحة» بين الطرفين على أسس تخلط الدين بالاقتصاد والسياسة لكن على عكس الاستخدام الإيراني ـــ الأوبامي: الحرب على الإرهاب لا تعني حربا بين الأديان! والإسلام ليس مرتكبا، وإنما الاستخدام السياسي و«الإرهابي» لذلك الإسلام! وفي هذا، فإنّ إيران هي المتّهمة نصّا وسلوكا، بالدستور وبأذرعها المليشياوية على حدّ سواء، وليس الرياض ولا المجتمعين تحت بيرقها وقيادتها. خصوصا أنّ السعودية ودول الخليج العربي كلها، ومعظم العرب والمسلمين هم الذين دفعوا، ويدفعون الأثمان الباهظة للظاهرة الإرهابية، أو بالأحرى لاعتمادها كبرقع يغطي مشاريع سياسية ــ قومية ــ مذهبية واضحة، في عدائيتّها!
قمم الرياض، تصفّي الحساب مع تداعيات أحداث أيلول 2001. وتنهي الاستثمار الإيراني القصير النظر والبعيد المدى، في تلك التداعيات، وتعيد الاعتبار لخلاصات نهاية الحرب الباردة، التي لم تعنِ شيئا أكثر من هزيمة الأنظمة والرؤى والإيديولوجيّات الشمولية وادّعاءاتها المشابهة، (برغم اختلاف اللغة والمضمون) لتلك التي لا تزال إيران تعتمدها داخليا وخارجيا!
قمّة المفارقة، أن تكون المصالحة الإسلامية ـــ الغربية هي خبر سيّئ لإيران (الإسلامية!) ولنفوذها المدّعى من اليمن إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان!