اعتبارا من صباح أمس، بدأت القوات العربية والأجنبية المشاركة في تمرين "الأسد المتأهب" بمغادرة الأراضي الأردنية.
"الحشود العسكرية" التي زعمت بعض وسائل الاعلام أنها تستعد لاجتياح الأراضي السورية واحتلالها، ليست سوى قوات من 22 دولة شاركت للسنة السابعة على التوالي في التمرين العسكري الأضخم في المنطقة.
المزاعم بشأن هذه المناورات رافقت "الأسد المتأهب" منذ سنته الأولى"2011". كانت القوات المشاركة تغادر الأراضي الأردنية بعد انتهاء فعالياته، لكن في كل سنة كانت الإشاعات تتجدد وكأن التمرين يعقد لأول مرة.
لا تعني مغادرة قوات "الأسد المتأهب" أنه لا توجد قوات تمثل دولا حليفة على الأراضي الأردنية. الجهات المسؤولة لم تنكر ذلك يوما؛ فالسنوات الست الأخيرة، التي شهدت تصاعد خطر الجماعات الإرهابية بعد التطورات الدراماتيكية في سوريا والعراق، فرضت على الأردن توسيع نطاق تعاونه العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، في إطار تحالف دولي هدفه الوحيد القضاء على التنظيمات الإرهابية في المنطقة، التي نجحت -بكل أسف- في السيطرة على أراض تعادل مساحة دولة، وأصبحت في وضع يهدد الأردن بشكل حقيقي وملموس.
وقد نجح هذا التحالف حتى الآن بتقليص نفوذ "داعش" الإرهابي وحصره في مناطق محدودة جدا في العراق وسوريا؛ فها هي معركة الموصل تشارف على نهايتها، ولم يكن للقوات العراقية أن تحقق هذه الانتصارات دون دعم قوات التحالف والغطاء الجوي الفعال. وفي سوريا تطبق المجموعات المدعومة من التحالف حصارها على مدينة الرقة إيذانا بقرب اقتحامها، وتخليص سكانها من حكم التنظيم المتوحش.
مصلحة الأردن العليا هي في العمل مع كل الأطراف؛ التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وروسيا الحاضرة بقوة في سوريا للقضاء على الحركات الإرهابية، داعش والنصرة تحديدا، وبخلاف ذلك ليس هناك أهداف يمكن إنجازها.
الولايات المتحدة تعزز نفوذها في سوريا، هذا واضح، بخاصة بعد تسلم دونالد ترامب السلطة، لكنها كما صرح وزير دفاعها بالأمس لا تخطط لتوسيع وجودها العسكري هناك، وهي بالتأكيد لا تخطط لغزو سوريا؛لأن النتيجة ستكون مماثلة لما آلت إليه الأوضاع في العراق بعد الاحتلال الأمريكي. مع فارق كبير يجعل فكرة الاجتياح العسكري غير واردة إطلاقا في ظل الوجود العسكري الروسي، ما يعني مواجهة عالمية مكلفة، لا يفكر الطرفان أبدا بالوصول إليها.
المعركة بين القطبين في سوريا ستحسم بالمساومات السياسية، وبالاعتماد على الوكلاء المحليين ليس إلا.
فمن يتخيل في ضوء هذه المعادلة الدولية أن يقدم الأردن على المغامرة باجتياح الجنوب السوري؟!
الأردن يعتمد على قوات حرس الحدود لتأمين أمن أراضيه، وهي تقوم بمهمتها باقتدار، يضاف إلى ذلك دور مجموعات حليفة على الجانب الآخر من الحدود، تتولى ملاحقة المجموعات الإرهابية وإبعادها عن حدودنا.
هذه المعادلة ما تزال صامدة أردنيا، ولا بوادر على تغييرها، إلا في حدود العمليات التكتيكية لمواجهة ظروف طارئة ومؤقتة.
وقد أكد الملك عبدالله الثاني ذلك مرارا؛ "الدفاع بالعمق دون الحاجة لإرسال قوات أردنية".
وأكثر من ذلك انضم الأردن للجهود الروسية لتطبيق وقف إطلاق نار شامل في سوريا، يشمل المناطق الجنوبية، في إطار عملية "أستانا" التي يواظب على حضورها منذ انطلاقها.
المفارقة السخيفة، أن القوى والشخصيات التي تحذّر الأردن من التدخل العسكري في سوريا، لما له من أكلاف باهظة، تؤيد بقوة تدخل دول وأطراف أخرى في الصراع الدموي!