مقالات مختارة

بؤس حرية الصحافة في يومها العالمي (1)

محمد قيراط
1300x600
1300x600
سألني الصحفي المخضرم عن وضع السلطة الرابعة في أيامنا هذه، وما هو دورها في حياة العباد والبلاد والأمم، فأجبته أن السلطة الرابعة أصبحت من أدبيات التاريخ التي تدرس كنظرية مثالية بعيدة كل البعد عن الواقع ودهاليز سلطة المال ونفوذ السياسة. الصحافة اليوم التي يتفنن بعض المنظرين في وصفها بالسلطة الرابعة أصبحت بحاجة إلى سلطة خامسة لتراقبها وتقف عند تجاوزاتها واستغلالها من قبل المال والسياسة. 

الصحافة التي من المفروض أن تراقب السلطات الثلاث، وتستقصي السلطة التنفيذية عن أعمالها وأنشطتها في المجتمع، أصبحت بطريقة أو بأخرى تنّظر للسلطة وللفساد وللتضليل والتعتيم والتنميط. فالممارسة الصحفية في الغرب أو الشرق في الشمال أو الجنوب أصبحت تمارس مهامها وأنشطتها وفق طقوس محددة ووفق انتقائية منظمة وسياسة وإيديولوجية لا تخرج عن إطار النظام التي تنتمي إليه وتعمل في إطاره. 

يحتفل العالم في الثالث من مايو من كل سنة باليوم العالمي لحرية الصحافة، وعادة ما يكون هذا اليوم فرصة لتقييم الذات والوقوف على أهم الإنجازات وأهم المشاكل والعراقيل والتصفيات الجسدية وغيرها التي يتعرض لها الصحفيون في مختلف دول العالم. 

مراجعة الذات هنا تستوقفنا عند وضع الصحافة والصحفيين في مختلف أنحاء العالم. دراسات وتقارير منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، و"مراسلون بلا حدود"، والاتحاد العالمي للصحف، والمنظمة العالمية للصحفيين، وغيرها من المنظمات الحكومية وغير الحكومية، تبعث على التشاؤم والحسرة والحزن العميقين للمشاكل والمتاعب والخطورة التي تكتنف مهنة الصحافة. ففي كل سنة عشرات الصحفيين يموتون قتلا ويغتالون، ومئات منهم يسجنون، ومئات يحاكمون ومئات يتعرضون لمضايقات ولإهانات هذا لا لشيء إلا لأنهم حاولوا القيام بواجبهم وبرسالتهم على أحسن وجه، حاولوا أن يكشفوا الحقيقة ويحاربوا الرشوة والمحسوبية والوساطة والعمولة وتبييض الأموال وتهريب المخدرات … إلى غير ذلك من الآفات والأمراض التي يدفع ضريبتها وفاتورتها الغالبية العظمى من لا حول لهم ولا قوة. 

المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد على حرية الرأي والتعبير لكن في معظم دول العالم "مافيا " المال والسياسة لا تؤمن بهذا المبدأ وبهذا الحق، وأصبح من يملك المال والنفوذ والسلطة له حق التعبير والرأي أما باقي شرائح المجتمع فتكتفي باستهلاك ما يقدم إليها من دون مساءلة ولا استفسار. إخبار الرأي العام وإيجاد سوق حرة للأفكار أصبحت من المهام الصعبة في معظم دول العالم. 

والقائم بالاتصال يجد نفسه في هذه المعادلة بين المطرقة والسندان، فهو أخلاقيا ومهنيا وعمليا مطالب بإعلام وإخبار الرأي العام ومن جهة أخرى يجد نفسه تحت ضغوط لا ترحم ولا تشفق لإرضاء أصحاب النفوذ والمال وأصحاب السلطة.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا خاصة بالنسبة لنا في الوطن العربي وأمام كل هذه المهام والمسؤوليات هل يتمتع الصحفي في دولنا العربية بالحصانة الكافية؟ هل يتمتع بحماية قانونية وبتشريعات تحميه من جبروت السلطة والمال؟ هل ظروف عمل الصحفي في دولنا مهيأة ومواتية للقيام بالعمل الصحفي على أحسن وجه، ماذا بالنسبة للرضي عن العمل والعلاقة بمصادر الأخبار؟ ماذا عن الراتب؟ والحوافز والامتيازات؟ هل في نهاية الأمر نطلب من الصحفي الكثير ونقدم له القليل. 

مع الأسف الشديد وفي معظم الدول العربية ما زال ينظر للصحافة -والمقصود بالصحافة هنا المهنة بصفة عامة سواء بالنسبة للإذاعة أو التلفزيون أو الصحافة المطبوعة من جرائد ومجلات ودوريات- على أنها وسيلة في يد السلطة تتصرف فيها كما تشاء، ووفق خطها السياسي والمسار التي تحدده لها. 

وهكذا بدلا من أن تكون الصحافة في الوطن العربي نعمة للشعوب وللرأي العام، جاءت نقمة وعلة تزيّف الواقع، وتنّظر للنظام، وتتفنن في إضفاء الشرعية والتميز والنجاح في كل ما تقوم بها السلطة من أعمال وأنشطة وبرامج وتشريعات.

فلماذا يا ترى لا نجعل في الوطن العربي من المؤسسة الإعلامية مؤسسة مسؤولة وحرة ولا نثق فيها، ولا نعطيها الإمكانات اللازمة حتى تلعب دورها الاستراتيجي والفعال في المجتمع؟ لماذا ننظر دائما للمؤسسة الإعلامية على أنها خطر، وبإمكانها أن تسبب مشاكل عديدة ومتنوعة للسلطة؟ لماذا لا نثق في الصحفي ونتركه عند ضميره يقوم بمهمة الإعلام والإخبار والتحقيق والكشف عن النقائص والتجاوزات والتناقضات والأمراض الاجتماعية بمختلف أنواعها وأشكالها ومهما كان صاحبها ومصدرها بكل حرية ومسؤولية وشجاعة؟

ينعم الصحفي في أي مجتمع بمكانة مرموقة واستراتيجية يحسد عليها بحيث يستطيع أن يصل إلى الرأي العام بكل سهولة وبسرعة فائقة كما يستطيع أن يصل إلى صاحب القرار ومصدر الخبر وأي إدارة أو مؤسسة في المجتمع من دون عناء، هذه الامتيازات بطبيعة الحال تقابلها مسؤولية كبيرة يجب أن يتحلى بها القائم بالاتصال ويضع في ذهنه أنه مسؤول على كشف الحقائق ومحاربة الفساد والرشوة. 

وفي الدول النامية تبرز أهمية المؤسسة الإعلامية ومسؤوليتها الاجتماعية أكثر من أي مجتمع أخر وهذا نظرا للدور الاستراتيجي والفعال التي تلعبه وسائل الاتصال الجماهيري في مجتمعات بحاجة إلى تعليم وتوعية صحية وبيئية وسياسية وغيرها من المهام الرئيسية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة والخروج من التخلف والفقر والجهل وغير ذلك من المشاكل العديدة والمتنوعة في مثل هذه الدول.

تعدّ حرية الصحافة والديمقراطية وجهين لعملة واحدة، فإننا لا نستطيع أن نتكلم عن نظام ديمقراطي من دون منظومة إعلامية قوية وفاعلة ومشاركة في الحياة السياسية وعملية اتخاذ القرار. 

وأهم العراقيل التي تقف حاجزا أمام حرية الصحافة في معظم الدول العربية والدول النامية القوانين الجائرة والصارمة التي تحد من إبداع الصحفي ومن عطائه، أضف إلى ذلك أن معظم قوانين المنشورات والمطبوعات وتشريعات الصحافة تفرض على القائم بالاتصال ممارسة النقد الذاتي أو الرقابة الذاتية وهكذا تصبح الآلة الإعلامية عالة على المجتمع، فبدلا من أن تكون عنصرا فعالا تسهم في محاربة الآفات الاجتماعية وتشارك في تقديم الحلول للمشاكل المختلفة تصبح في يد القلة الحاكمة التي قد تكون في الكثير من الأحيان خاطئة في قراراتها وطرق تسييرها للكثير من الشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. 

وحرية الصحافة ترتبط كذلك بالكثير من المعطيات والمستلزمات التي يجب أن تتوفر في المجتمع. ومن هذه المستلزمات فلسفة ونظرة السلطة والمجتمع لوسائل الإعلام، كذلك النضج السياسي والممارسة السياسية لدى الشعب، وكذلك وجود الجمعيات السياسية القوية وجماعات الضغط والجمعيات بمختلف أنواعها وأشكالها ومجتمع مدني قوي وفعال وديناميكي.

الشرق القطرية

0
التعليقات (0)