هل من جديد في وثيقة حماس؟ هل تضمنت مفاجآت تتطلب كل هذا الذم أو المدح المبالغ به؟
أسئلة أثارتها النقاشات حول الوثيقة المعلنة في الدوحة؛ فما ورد في الوثيقة جاء ليوثق واقعا تبلور، معبرا عن نفسه غير مرة خلال السنوات الثلاثين الماضية، خصوصا لمن راقب أداء الحركة منذ نشأتها إلى الآن.
فما ورد في الوثيقة لطالما عُبِّر عنه قولا وفعلا غير مرة من قبل حماس؛ إذ إنه لا يتناقض مع أداء الحركة السياسي والعسكري، وتصريحات قادتها وعلى رأسهم خالد مشعل خلال السنوات الثلاثين الماضية.
طريقة التفاعل إلى الآن لا تبدو مقبولة ومتجانسة لمن راقب أداء الحركة ونشاطها الفكري على مدى السنوات؛ فما ورد في الوثيقة ليس مفاجأة، أو حقائق مستجدة كما يروج ويظن البعض، إنما هو حدث متسق يقع في إطار التكيف الإيجابي، لا التكيف السلبي في سياق الدراسات المستقبلية الذي يركز على الأنماط العامة لحركة المتغيرات في المنطقة العربية، والتفاعل معها، خصوصا في المرحلة الحالية المضربة التي تولد عنها إرهاب وتطرف وحروب أهلية، ليطرح السؤال مرة أخرى: ما الجديد في هذه الوثيقة؟
الجديد من ناحية عملية ونظرية تمثل في توثيق الحقائق العملية والنظرية عبر نصوص، باتت مرجعا لكافة أطر الحركة والعاملين فيها، والمتفاعلين معها من قوى وكيانات سياسية ومدنية واجتماعية على اختلاف انتمائها ومرجعيتها، إلى جانب الدول والقوى والكيانات الدولية.
فمفاهيم كالدولة والنظام السياسي والمقاومة والاحتلال باتت رديفا لمفردات منها الديمقراطية والحوار والتعددية، إلى جانب مفردات كحركة التحرر والمرجعية الإسلامية والوطنية.
مفردات لم تعد تمثل وجهات نظر فردية، أو تصريحات سياسية وبراغماتية، بل باتت منهج عمل موثقا تتبناه كافة أطر حركة حماس في تعاملاتها الداخلية والخارجية؛ إذ لم تعد مجرد وجهات نظر ومقولات أو ممارسات يعبر عنها بين الفينة والأخرى، بلا سند فكري ومنهجي موثق.
وثيقة حماس المعلنة من الدوحة دعت بشكل واضح إلى تطوير منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية؛ باعتبارها الاطار الوطني الجامع، دعوة جاءت تحت عنوان النظام السياسي، إذ نصت الوثيقة في بندها الـ28 على أن «حماس تؤمن وتتمسك بإدارة علاقاتها الفلسطينية على قاعدة التعددية والخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية وقبول الآخر واعتماد الحوار، بما يعزّز وحدة الصف والعمل المشترك، من أجل تحقيق الأهداف الوطنية وتطلّعات الشعب الفلسطيني»، واضعة نفسها في مصاف حركات التحرر والقوى الوطنية، ولكن بمرجعية إسلامية لا تنساق إلى أزمة الإقليم، وتكيفه السلبي مع الضغوط المتراكمة في أعقاب الربيع العربي.
فالديمقراطية تعد جوهر النظام السياسي الفلسطيني كما تراه حماس الذي سيقام على ارض فلسطين المحررة وعاصمتها القدس؛ مفردة واضحة في كل البنود التي تناولت النظام السياسي، والتي شملت كافة مكونات الشعب الفلسطيني دون تمييز بين أفراد المجتمع.
وبذلك فإن الحركة حسمت الموقف من شكل النظام السياسي، وآليات عمله، وغايات وجوده في تمثيل الشعب الفلسطيني، دون تمييز لخدمة وإدارة مصالح الشعب الفلسطيني، متجاوزة أزمة الإقليم وصراعاته الداخلية؛ نهج يشمل كافة الأطر والكيانات السياسية والاجتماعية والمدنية، ومن ضمنها منظمة التحرير كإطار وطني يجمع في صفوفه اللاجئين والشتات.
من ناحية أخرى، تميزت الوثيقة بالإشارة إلى القبول بإقامة دولة فلسطينية على أراضي الـ 67، دون التخلي عن فلسطين التاريخية، أو حق العودة؛ مسألة جاءت في سياق تعريف طبيعة المحتل الذي يعد من بقايا الحقبة الاستعمارية الغربية؛ لا باعتباره صراعا دينيا بل صراع مع محتل ومستعمر؛ نضال مستمر يمتد إلى كافة الأراضي المحتلة بما فيها ارضي الـ 48؛ توصيف دفع الحكومة الصهيونية والمسؤولين والقادة على رأسهم نتنياهو إلى القول بأن «حماس تريد أن تخدع العالم فوثيقتها عبارة عن استراتيجية حرب وليست استراتيجية سلام»، وبمعنى آخر استراتيجية تحرر وطني من الاستعمار والاحتلال، وليست استراتيجية استسلام وتفاوض لا نهائي يتنازل فيها المستعمَر للمستعمِر عن أرضه وكرامته، فالمقاومة نهج لا يتوقف حتى تتم تصفية الاستعمار بالكامل بما يحمله من مقولات عنصرية وإحلالية متطرفة.
الجدل تركز في الساحة الفلسطينية والعربية على بند الدولة الفلسطينية وحدودها سواء كان مدحا أو ذما، متجاوزا باقي البنود السياسية التي أكدت أن حماس حركة تحرر وطني جاءت للتعامل مع حقائق فرضها الاستعمار الأوروبي والغربي للمنطقة العربية من خلال المقاومة وتحرير الأرض والإنسان؛ فحماس حركة تحرر وطني بمرجعية إسلامية، تهدف إلى مقارعة الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية تعددية بأسس ديمقراطية على كامل ترابة من البحر إلى النهر، معبرة عن مصالح الشعب الفلسطيني المقاوم والمحتل، متجاوزة أزمة العالم العربي في التعامل مع الحقائق الفكرية والسياسية المرتبطة بعلاقة الدول بمواطنيها.
فالوثيقة نص يؤكد تحقيق العدالة والديمقراطية والاستقلال لشعب محتل دون الخوض أو الانخراط في أزمات الإقليم والمنطقة العربية التي تحولت في بعض فصولها إلى حروب أهلية وصراعات سياسية وقوى متطرفة تتصارع فيما بينها.
بنود الوثيقة تعد توثيقا لحقائق رسخت على الأرض طوال الأعوام الثلاثين الماضية من تاريخ تأسيس حركة حماس، ولا تحتمل الكثير من اللغط؛ إذ يجب التعامل معها في اطار سياقها الطبيعي الممثل بالتطوير والتجديد بأسسها ونهجها؛ أبرز ما فيه توثيق الحقائق الممارسة التي باتت واقعا في حياة الحركة وعلاقاتها الداخلية والعربية، والدولية ورؤيتها السياسية، بعيدا عن الصراعات الأيدولوجية، خصوصا في العالم العربي.
وثيقة تعكس حجم النضوج السياسي والفكري لدى الحركة، والتي عُبر عنه اكثر من مرة من قبل قادة الحركة، ابرزها لقاء صحيفة السبيل مع خالد مشعل في 2010 في مقر إقامته في دمشق حينها.
حقائق باتت نصا تتبناه الحركة في كافة أطرها، ولم تعد مجرد وجهة نظر شخصية أو ممارسة عملية، مضفيا عليها بُعدا سياسيا مهما في مرحلة اتسمت بتحولات سياسية كبرى في المنطقة، فرضت ضغوطا هائلة على البنى الفكرية والكيانات السياسية، أعقبت الربيع العربي وما طرحته من تساؤلات حول طبيعة الصراع والنظم السياسية، وموقع حركة حماس في التحولات الكبرى في العالم العربي والتي باتت أشكالا خطيرا يهدد استقرار الإقليمي، وقدرة المنطقة وشعوبها وأنظمتها والكيانات السياسية المدنية والعسكرية على التكيف الإيجابي لصالح تكيف سلبي قاد المنطقة إلى مزيد من التطرف والتفكك والانهيار.
السبيل الأردنية